“عمران خان” ضحية الاستراتيجية الامريكية لمواجهة الصين.. كلنا كنا ضحايا
كتب / كمال خلف
بينما كان رئيس الوزراء الباكستاني السابق “عمران خان” يمثل امام محكمة في اسلام اباد، اقتحمت قوات الشرطة منزله في لاهور. جاء ذلك بعد أيام من مواجهات واشتباكات عنيفة جرت بين أنصاره وقوات الشرطة بعد ان حاولت اعتقاله من منزله الثلاثاء الماضي. عمران خان لديه قناعة ان هناك رغبة لاعتقاله او قتله وقد عبر عن ذلك بشكل علني. أي مراقب للوضع في باكستان قد يتساءل لماذا يعمد خصوم عمران خان في السلطة والجيش والاستخبارات الى اقصائه حتى لو وصل الامر الى الاغتيال. ولماذا اثار عمران خان كل هذا الجدل ؟
وإذ يتم التعامل مع القضية من قبل وسائل الاعلام باعتبارها قضية صراع داخلي على السلطة، الا ان قضية “عمران خان” في جوهرها ابعد من ازمة داخلية، هي مرتبطة بموقع باكستان في الصراع الدولي وتحديدا في صلب الاستراتيجية الامريكية الحيوية لاحتواء الصين.
الولايات المتحدة هي من أطاح برئيس الوزراء عمران خان هذا مؤكد وان كان السيناريو ذو حبكة محلية، هو يعرف ذلك وقاله مرارا.
باكستان هي حليف رئيسي للولايات المتحدة منذ نحو 70 عاما وتجدد هذا التحالف منذ عام 2001 في إطار محاربة ما يسمى الإرهاب، بينما تزايد الاهتمام الصيني بباكستان بعد صعود شي جين بينغ إلى السلطة و اطلاق الصين الاستراتيجية العالمية المعروفة باسم “حزام واحد وطريق واحد”.
اقترح شين جين بينغ، “الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي يربط إقليم شينجيانغ الصيني بميناء جوادار في باكستان. و يضمن الممر توسيع النفوذ السياسي والاقتصادي للصين في وسط وجنوب آسيا. وبناء على ذلك تدفقت الاستثمارات الصينية نحو باكستان. فضلا عن أهمية باكستان في تشكيل حائط صد يمنع انتقال الإرهاب من وسط وجنوب اسيا نحو الصين. ورغم ان اسلام اباد دأبت على موازنة تحالفها مع الولايات المتحدة والشراكات الاقتصادية الهامة مع الصين، الا ان ثمة عوامل جديدة طرأت في البيئة الدولية وضعت هذه المعادلة امام الاختبار الصعب بالنسبة لاسلام اباد.
اول تلك العوامل كان اعلان الولايات المتحدة بشكل جلي في وثيقة الاستراتيجية الامريكية للامن القومي ان مواجهة صعود الصين كمنافس على القيادة الأحادية الامريكية للعالم يشكل أولوية قصوى. ومن اجل ذلك نقلت واشنطن الاهتمام الاستراتيجي من منطقة غرب اسيا والشرق الأوسط، نحو شرق اسيا والمحيط الهادي وبحر الصين.
والعامل الاخر يتعلق بتغيرات في الاستراتيجية الصينية قائمة على رفع الانفاق العسكري، توسيع الانتشار البحري وإقامة قواعد عسكرية في مناطق حيوية مثل منطقة القرن الافريقي، وفي ميناء جوادار على الساحل الجنوبي الغربي لباكستان، والاتجاه نحو لعب أدوار سياسية في النزاعات الإقليمية والدولية وقد نجحت في صياغة اتفاق بين السعودية وايران، وتبذل الان جهود في ملف الحرب في أوكرانيا.
بالنسبة لباكستان كان نجاح عمران خان في الوصول الى الحكم عام 2018 بداية فقدان الولايات المتحدة للحليف الباكستاني لصالح المنافس الصين. كان الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان عاملا معززا نحو إعادة تموضع باكستان في الجانب الصيني. وقف عمران خان يجاهر بمواقفه علنا وابرزها ان الصين هي الحليف الوثيق لباكستان، وان التطبيع مع إسرائيل خيانة.
شكل عمران خان نموذجا من القادة الذين لا تهضمهم الولايات المتحدة في العالم، واخذ عمران باكستان بعيدا عن الاستراتيجية الامريكية لاحتواء الصين، ليس هذا فحسب بل بدأ بنسج علاقات استراتيجية مع روسيا في الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة معركتها مع الصين في اسيا وروسيا في شرق أوروبا.
وجهت الإدارة الامريكية رسالة تهديد لعمران خان بالتراجع عن سياساته، كان قد تحدث عنها وكشف مضمونها بنفسه. رافضا الانصياع للتهديد. وبالمناسبة ذلك أسلوب امريكي متبع مع معظم القادة العرب.
من اجل كل ذلك خططت الاستخبارات الامريكية بما لديها من نفوذ وعبر خطة محكمة للإطاحة به عبر مسرحية حجب الثقة، بذريعة التقصير وعدم محاربة الفساد وعدم الإيفاء بالوعود الانتخابية.
اثارت عملية الإطاحة بخان غضب شريحة واسعة من الباكستانيين، ولكن كانت العملية الامريكية محكمة لدرجة استحال معها بقاء خان بالسلطة. الرواية لم تنته هنا. الاستطلاعات الأخيرة كشفت ان عمران خان قد يعود الى السلطة من بوابة الانتخابات المقبلة التي ستجرى في تشرين الثاني نوفمبر، وبذلك تكون كل العملية التي بذلت الإدارة الامريكية جهودا لنجاحها قد انتهت الى الفشل، من اجل ذلك شنت ضده حملة المحاكمات والاتهامات والتهديد بالاعتقال، ويبدو ان الرجل مدرك لخطورة دوره وهو ما دفعه لتوقع اعتقاله او قتله لمنعه من العودة الى السلطة مرة أخرى.
لاشك ان قصة عمران خان هي واحدة فقط من روايات لقادة واصحاب قرار ونخب سياسية في العالم ومنه عالمنا العربي دفعوا ثمن تحدي الهيمنة الامريكية، وجرى اما قتلهم، او اعتقالهم، او الإطاحة بهم، او شيطنتهم.
وباكستان نموج من عدة نماذج من بلدان العالم عبثت الإدارات الامريكية المتعاقبة بمصيرها واستقرارها ووحدة أراضيها وخيارات شعوبها، في سبيل مصالحها وانانيتها. والكارثة الأعظم ان هناك من أبناء هذه البلدان من يساعدون هذه النهج ويبررون الأفعال الشنيعة، وهناك في عالمنا العربي من يطعج جلسته متثاقفا ليقول” انا لا أومن بنظرية المؤامرة “.
ان قتل عمران خان او اعتقل، فان ذلك لا يعني إيقاف عجلة التاريخ، وباكستان ستأخذ الخيار الأفضل لمستقبل شعبها. وهذه الاعمال الامريكية القذرة وان نجحت فهذا نجاح مؤقت لان نهج الفشل هو المستمر ولا ريب في ذلك.