التحول الاقتصادي في المنطقة نحو هجر عملة الدولار
كتب / د بلال الخليفة ||
أدى النزاع الاوكراني الى تسارع التحول الاقتصادي العالمي في اعتمادها لعملة الدولار وخصوصا من قبل الدول التي فرض عليها عقوبات اقتصادية من قبل أمريكا ومن تحالف معها من الدول الأوروبية، وهذا يعني ان أيام الهيمنة الدولار هي في ايامها الأخيرة.
ولنأخذ مثال على الكلام أعلاه وهي منطقة غرب اسيا وخصوصا دول الخليج العربية التي ترتبط بعلاقات خاصة ووثيقة مع الولايات المتحدة الامريكية وخصوصا في مجال الاقتصاد والطاقة وبدأت بالتحديد مع العربية السعودية منذ 1937 وعقد الامتياز النفطي وتأسيس الشركة العربية الامريكية (أرامكو)، ومنذ ذلك الوقت والى اليوم أصبحت العربية السعودية الحليف الأهم في المنطقة للأمريكان.
قبل 20 سنة، كانت التجارة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية هي بالتحديد يساوي خمسة اضعاف حجم التبادل التجاري مع جمهورية الصين الشعبية، ونتيجة لعدة أمور منها:
1- التطور التكنلوجي والتجاري الكبير للصين.
2- رخص المنتجات والخدمات الصينية بالمقابل الى غيرها من الامريكية والصينية.
3- قراءة الواقع الاقتصادي الذي ينبئ بان الصين ستكون الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في العالم وبذلك من الحكمة بناء العلاقات التجارية معها.
ونتيجة لتلك المتغيرات العالمية تغيرت الأرقام والمعادلات وخصوصا بعد عام 2021 اصبح حجم التجارة بين الصين والمملكة العربية السعودية هو ثلاث اضعاف حجم التجارة مع الولايات المتحدة الامريكية، والشكل ادناه يوضح ذلك.
ومن جهة مقابلة الى ذلك ان الصين تورد النفط من السعودية أي ان السعودية المورد الأكبر وتحتل المرتبة الأولى في مجال النفط والبتروكيمياويات، وان الصين لكبر اقتصادها فهي اكبر الدول مستهلكة للبترول وهي اكبر دولة تشتري وتستورد البترول بالعالم، وهذا ما يساعد دول غرب اسيا ومنها دول الخليج العربية ومنها المملكة العربية السعودية بالاتجاه الى التعامل باليوان الصيني بدل الدولار الأمريكي.
وهذا شي طبيعي لكبر حجم التبادل التجاري مع الصين زان مصلحتها تحتم ان تتعامل مع الصين بعملته، كما ان استخدام عملة غير الدولار يجنب تلك الدول ان تخضع للهيمنة الامريكية على اقتصادات المنطقة عن طريق فرض اراداتها الاقتصادية عن طريق سلطتها المطلقة على حركة الدولار ومن الأمثلة على ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية جمدت أصول العديد من الدول ومنها الجمهورية الإسلامية في ايران وروسيا بعد بدا الازمة الأوكرانية والذي يبلغ الاحتياط الروسي من العملة الأجنبية الدولار بحدود 300 مليار دولار ونظام سويفت للتحويلات المالية ، وهذا الامر يجعل الكثير من الدول ومنها دول غرب اسيا والمنتجة للنفط ان تقلق من العقوبات الامريكية.
وخصوصا بعد ان أمريكا والاتحاد الأوربي فرضت عقوبات على الدول والشركات التي تعمل في روسيا والتي تشتري النفط الروسي، ثم أعقبت ذلك بقرار ان تحدد سعر برميل النفط الروسي بـ 60 دولار بينما يكون خام الإشارة هو بحدود 80 دولار، ومن ثم أيضا فرض عقوبات على المنتجات النفطية مثل البنزين وزيت الغاز.
ان اهم الحلول التي يجب ان تعتمدها الدول التي يكون الدولار العملة الرئيسية في التعاملات التجارية الخارجية هو التنويع والتخطيط لعملة بديلة في الاحتياط من العملة الصعبة وخصوصا من عملة اليوان ، ففي الأيام القليلة الماضية أي في شهر ابريل من عام 2023 ، بدات الاحداث في التسارع في الابتعاد عن عملة الدولار، وكانت الجمهورية الإسلامية في ايران الدولة الأولى التي لجات لغير الدولار مثل استخدام الأورو او الروبل او العملات المحلية في تعاملاتها التجارية، اما أخيرا وبعد العقوبات الغربية على روسيا الاتحادية، لجات الأخيرة الى التعامل باليوان الصيني كطريقة للتخلص من التعامل بالدولار، وللعلم ان روسيا فرضت على الدول التي تشتري الغاز والنفط بعملتها المحلية وهي الروبل.
حيث نرى ان في بداية عام 2022، كان اكثر من 50 % من الصادرات الروسية تمت بعملة الدولار الأمريكي، وبالمقابل لم يكن أي عمليه تجارية تتم بعملة اليوان الصيني بنسبة معتبرة في التعاملات التجارية الروسية، حيث كانت النسبة هي 0.4% فقط، لكن العقوبات الغربية من قبل أمريكا والناتو عجلت في التحول التجاري بالتعاملات، حيث اصبح اكثر من 14 % من الصادرات الروسية تتم باليوان الصيني، وهذا حدث خلال عام واحد فقط، اما الروس فهم لم يفرضوا عقوبات على التعامل بالدولار او الأورو وهذا ما سهل لبقية المصارف (عدا البنك المركزي) التعامل بتلك العمل.
ان الدولار وكما يعلم الجميع وبعد عام 1972 ونكسة نيكسون أصبح غير مغطى بالذهب، واما اليوان الصيني فهو كبقية عملات العالم ليس له غطاء من الذهب وهو أصبح ويصبح يوم بعد يوم قوي بقوة الذهب وبقوة الاقتصاد الصيني، وبالتالي أصبح قوة ضاربة وهذا ما تحتاجه الصين وروسيا للحفاظ على مكانتهما السياسية والاقتصادية ضد العقوبات الغربية.
التغير الاقتصادي والسياسي العالمي بات واضحا لكثير من دول العالم وبالتالي قررت بعض الدول ان تغير العملة في تعاملاتها التجارية من الدولار الى اليوان الصيني ومن تلك الدول هي البرازيل والهند والصين وجنوب افريقيا وروسيا ان تلك الدول يطلق عليها دول البريكس والتي تمثل 40% من تعداد سكان العالم، وكما توجد 12 دولة أخرى قررت التعامل مع الصين باليوان ومنها السعودية التي تملك ثاني احتياط نفطي بالعالم وأكبر منتج له أيضا والتي قدمت طلب للانضمام لدول البريكس
كما نلاحظ ان قيمة الدولار خلال السنوات الماضية تقل عام بعد عام والسبب لأنه غير مدعوم بالذهب ومدعوم بهيمنة أمريكية فقط، وان الولايات المتحدة الامريكية (الخزانة الامريكية) تطبع الدولار حسب حاجتها بعدم عام 1972 ، عندما أوقف الرئيس الأمريكي نيكسون تقويم الدولار بالذهب، والان بدات تفكر جديا دول البريكس بإنشاء عملة خاصة بها وتكون مدعومة بالذهب لكي يكون لها قوة وبالتالي تكون المرة الأولى منذ اكثر من نصف قرن ان تظهر لنا عملة مدعومة بالذهب وبالتالي يعطيها أولوية وافضلية على الدولار الأمريكي المتدهور، وكذلك يعطي للأشخاص والدول والشركات الطمأنينة في التعامل في هذه العملة بدل الدولار الذي هو ورق فقط.
الاتحاد الأوروبي لدية عملة خاصة فيه وهذه العملة تمتلك تعامل محترم بالنسبة الى التجارة العالمية، وهو مستقل عن الدولار. وبالتالي ان العالم سيشهد عملة جديدة وهي عملة البريكس وبالإضافة الى عملة الدولار واليورو وبالتالي سيتعامل وفق ثلاث عمل عالمية، اما العراق فسيبقى معتمد على الدولار فقط لأنه لا يجرء الى الان ان يجعل أموال نفطة تأتي الية مباشرة رغم عدم وجود أي غطاء قانوني للأمريكان بوضع أموال النفط العراقي بالبنك الفدرالي الأمريكي، ومما زاد الامر تعقيدا، في المفاوضات الأخيرة في نهاية شهر فبراير بين الحكومة العراقية ووزارة الخزانة الامريكية ان الأموال تم إضافة حلقة تزيد من تعقيد الامر وهو ان الأموال تحول من البنك الفدرالي الى بنك جي بي موركان ومن ثم الى البنك المركزي العراقي.