من يقوم بإحراق محاصيل الحنطة في مواسم الحصاد ؟!
كتب / باسل عباس خضير
عاما بعد عام ، تتكرر المسالة ذاتها مع موسم حصاد الحبوب في العديد من المحافظات ، حيث نخسر عددا كبيرا من الدونمات المزروعة والجاهزة للحصاد بحوادث الحرائق فالحرائق لها القدرة على التهام المحاصيل بأقل المؤثرات من النيران ومصادرها بمختلف المسميات ، ورغم إن هذه القضية معروفة وغالبا ما تشير إليها وسائل الإعلام ومنها احتراق أكثر من ألف دونم بمختلف الحقول هذه الأيام تزامنا مع موسم الحصاد ، إلا إنها لم تجد الحلول المناسبة رغم ما تسببه من خسائر فادحة للمزارع والمستثمر ولإقتصاد البلاد ، ولا تزال دوافعها وفاعليها تسجل ضد فاعل مجهول ، ولان ظاهرة إحراق المحاصيل تتزامن مع مواعيد الحصاد فان المزارع المحظوظ هو من يتمكن من إنقاذ ما يتبقى من زراعته طيلة الموسم ب( فزعة ) الناس او بمساعدة عناصر الدفاع المدني الذين لا يستطيعون مجاراة سرعة انتشار النيران في المحاصيل لان عدد مراكز الدفاع المدني وانتشارها لا يلاءم جميع الحوادث بسبب طبيعة المتوفر من الإمكانيات ، وتتباين أعداد حوادث احتراق المحاصيل بين عام وعام وهي بتزايد ولكنها لم تخضع لإجراءات تمنع تلك الحوادث او تحد من الخسائر بأقل الكميات ، ورغم عدم تشخيص الأسباب الفعلية المؤدية لانتشار حرائق المحاصيل ، إلا إنهم يصنفونها لعدة مجالات فمنهم من يقول إنها بسبب إهمال المزارع وعدم إتباعه تحوطان الأمان ، ومنهم من يقول إن هناك احتمال لان تكون من الجنايات ومنهم يعدها متعمدة وقد تعود لتصفية الحسابات والخلافات بين المزارع والخصوم ، ولا تخلو نظرية المؤامرة من جدول الأسباب فالبعض لا يخلي ساحة المزارع منها فيدعون إن منهم يقوم بالإحراق طمعا بالتعويضات ، كما يعتقد البعض إنها تنفذ من قبل أشخاص او جهات مدعومين من الخارج لحرمان العراق من ثرواته او لتنشيط الاستيراد وعدم فسح المجال للمنتج المحلي ليتسيد الأسواق ، ووصل الأمر لاتهام الحيوان بما يحدث من خسائر هائلة في المحاصيل حيث يشيرون لوجود طائر لديه القدرة لنقل النيران والتسبب بحرائق حقول الحبوب !! .
ومن المؤسف أن يتم التركيز على ( القيل والقال ) وتفسير الأسباب بحجم يتفوق على ما يجب اتخاذه من إجراءات لحماية المحاصيل ، فما يحصل اليوم يستحق الاهتمام كوننا نعيش في وسط أزمة الحبوب العالمية وارتفاع أسعارها في البورصات ووجود حبوب مشكوك في سلامتها و صلاحيتها تورد للبلدان ، وبلدنا كما هو معروف من بين كبار المستهلكين للحنطة كمادة مهمة في الطعام ، والمفروض أن تكون هناك سياقات وخطط لدعم مواسم الحصاد ، فمن واجب الدولة وضع خطة أمنية محكمة تعايش حملات الحصاد ( التي يمكن اختزال مدتها بتوفر الحاصدات) من خلال حراسة وحماية المناطق المزروعة أثناء موسم الحصاد كما يجري في الفعاليات الدينية والوطنية والمناسبات ، فليس من المعقول أن يتكرر مشهد حرق المحاصيل في كل المواسم ونحن نتفرج على هذه الخسارة للمزارع وللناتج المحلي ، فما يحصد يغطي نسبة كبيرة من احتياجات الشعب من الطحين فبلدنا لديه القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي منه عند توفر متطلبات الموسم الزراعي من الأمطار ومياه الري والمستلزمات ، ونرجوا من الجهات المعنية تدارك الموضوع لأننا في خضم موسم الحصاد الحالي ، والقضية لا تتعلق بمصادرة جهد الفلاح وأهله وإنما بالأمن الغذائي للبلاد فالعالم معرض لازمات بسبب الحروب والاحتكار وارتفاع الأسعار ، والطحين من مقومات الأمن الغذائي الوطني إذ نستهلك سنويا أكثر من 5 ملايين طن ، ومع ازدياد كمية الاستهلاك بسبب نمو السكان فقد أصبحت الزراعة المحلية غير قادرة على تغطية الطلب إذ لا تتوفر المياه الكافية للزراعة والذي أدى لتقليص الخطط الزراعية والاضطرار للاستيراد من عدة مناشيء علمية ويمكن أن يكون ذلك دافعا مهما لحماية القمح المحلي ، والحكومة أخذت تشجع زراعة الحبوب من خلال عدة قرارات أبرزها تسديد مستحقات المزارعين عن المواسم السابقة وتسهيل تسويق واستلام المحاصيل ورفع سعر شراء الحنطة لمبلغ 850 ألف دينار وتشجيع استخدام الأساليب الحديثة في الري بالتنقيط واستخدام الآبار وسواها كوسيلة لمواجهة ندرة المياه .
ولكي لا تفقد الزراعة بريقها في ارض السواد كما فقدنا العديد من مكونات الناتج المحلي من الصناعة والسياحة وغيرها ، فمن الواجب الوطني دعم المزارعين وحماية إنتاجهم بمختلف المجالات ومنها إعداد جهد وطني متكامل لبرمجة عمليات الحصاد وحصر توقيتاتها وتامين الحقول بالوسائل الملائمة ، كأن توضع خطة أمنية خلال مواسم الحصاد وبشكل يمنع او يزيل المسببات التي تحدث حرائق الحقول ، فالإجراءات الوقائية هي الوسيلة الأسلم لحماية الحقول لان إطفاء حرائق المحاصيل يحتاج لسرعة فائقة وتوفير معدات واسعة للإطفاء ، وهي غير قابلة لان تتوفر حاليا لا من قدرات الفلاح ولا الجمعيات الفلاحية ولا أجهزة الدفاع المدني ، ولا يكفي بأن نلقي باللوم والاتهام على هذا وذاك بعد احتراق الزرع فالقيل والقال لم يحدد الفاعل ولم يعالج الجراح ، ومن الأفضل أن نكون ( نواطير) على إنتاجنا السنوي من الحبوب بما يضمن تسويق اكبر كميات ممكنة لسد الحاجة المحلية ولتحفيز وترغيب المزارعين والمستثمرين لولوج هذا القطاع ومنع هجره وجعل الأبناء يبحثون عن وظائف حكومية هنا او هناك كما حصل ويحصل منذ عقود وسنوات .