العلاقات الصينية الامريكية: حرب باردة ام تعايش سلمي وتنافسي شرعي ومشروع
كتب / مزهر جبر الساعدي
يرى بول هير مسؤول المخابرات الامريكية السابق، والباحث والزميل البارز في مجلس شيكاغو للشؤون الدولية، أو انه يطرح سؤالا؛ هل لايزال بإمكان الدولتين، الصين وامريكا؛ ان تتعايشان بسلام وتنافس من دون صراع او ان يقود هذا التنافس الى الصدام المسلح؟ ويعرج هير في هذا الى ما كان قد طرحه جورج كينان قبل اكثر من خمسين عاما حول ضرورة التعايش السلمي بين امريكا والاتحاد السوفيتي ويتجنبان الحرب الباردة؛ من خلال او بواسطة الاحتواء الامريكي للاتحاد السوفيتي، ويؤكد ان الاحتواء ليس المقصود منه هو زيادة القوة والقدرة العسكرية، بل الطريق الدبلوماسي والتفاوض، والاتفاق على نزع فتيل المواجهة في الحرب الباردة في ذلك الوقت؛ بفك الارتباط العسكري الامريكي مع دول اوروبا، وكذلك السوفيتي لإزالة فتيل الحرب الباردة، لأنفاق الواردات الامريكية في تطوير الاقتصاد وما هو ذا صلة به. إنما ان هذا لم يحدث بل ان العكس هو ما كان قد حصل في وقتها. يؤكد بول هير او يتساءل هل بالإمكان تطبيق ما عجز جورج كينان قبل خمسين عاما من ان يقنع الساسة الامريكيين بضرورة واهمية تجنب الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وتقوم امريكا حاليا، أو تعمل على الطريق الدبلوماسي والتفاوض مع الصين؛ على اقامة علاقة تعايش سلمي وتنافسي مشروع؛ ويتجنبان الدخول في الحرب الباردة، التي ربما بسبب خطأ ما؛ ان تنتهي بالمواجهة. ويوضح هير في هذا؛ ان الصين تختلف تماما عن الاتحاد السوفيتي، فالصين الآن قوة صناعية واقتصادية وتجارية ومالية هائلة جدا، على العكس ما كان عليه الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت. ثم يختم رؤيته هذه بالتالي: في ظل الظروف التاريخية الجديدة، من المؤكد تقريبا ان وجود نوع من التوافق هو البديل الحتمي. وزيرة الخزانة الامريكية، صرحت في العشرين من ابريل؛ من انه لا يمكن للولايات المتحدة الامريكية فصل اقتصادها عن الاقتصاد الصيني. كما ان مستشار الامن القومي الامريكي، جيك سوليفان قال امام معهد بروكينغيز، في 27من ابريل؛ ان من الضرورة ايجاد طريقة للتعايش مع بكين. إنما المراقبون الصينيون شككوا بكل هذا، وطالبوا امريكا بالأفعال لا بالأقوال. لكن من الجانب الثاني، وفي ذات الوقت والموضوع؛ تنبأ جنرال امريكي مؤخرا؛ ان عام 2025سوف يشهد حربا بين الصين والولايات المتحدة الامريكية. كما ان تصريحات اغلب المسؤولون الامريكيين؛ تركز على ان الصين هي التحدي الاكبر للولايات المتحدة، والمقصود هنا هو تأثير تطور الصين، مع توسع علاقاتها سواء في الحقل السياسي او الحقل الاقتصادي والتجاري والمالي؛ على موقع الولايات المتحدة، او الاصح على سيطرة الولايات المتحدة على القرار الدولي بطريقة او بأخرى غيرها. مما يقع في هذه الخانة او على مسار هذا التوجس او الخشية الامريكية من تطور الصين في الاصعدة انفة الذكر؛ مؤخرا، تصريح لأحد المسؤولين الامريكيين؛ هو ان الولايات المتحدة الامريكية تخشى من تحول العلاقة او الشراكة الصينية الروسية، الى حلف عسكري. كما ان اغلب التحليلات السياسية تشير الى ان الصين سوف تقوم في المقبل من الزمن، في الامد القصير، على عملية ضم تايوان بالقوة العسكرية. في الايام الاولى من شهر مايو الحالي، طلب الجانب الامريكي من الجانب الصيني ان يكون هناك في الشهر المقبل لقاء بين وزيري دفاع الدولتين، لفتح قناة اتصال دائم بين العسكريين الامريكيين والصينيين، لكن الصين لم ترد او انها احجمت عن الرد، إنما من الجانب الثاني؛ طالبت امريكا برفع العقوبات عن وزير دفاعها. جميع تصريحات المسؤولين الامريكيين في الفترة الاخيرة اتسمت باللين والتهدئة والدعوة الى الحوار واللقاءات بين المسؤولين الصينيين والامريكيين. لكن الصين كان ردها باردا ولم يتسم بالدفء. السؤال المهم هنا هل ان القيادة الصينية تدرك ان هذه الدعوة هي في الاول الاخير لعبة امريكية؛ الغاية منها هي تحييد واحتواء الصين؟ أم ان هذا البرود الصيني للدعوات الامريكية؛ الغاية منه او الهدف منه؛ هو اجبار الولايات المتحدة على تقديم المزيد من التنازلات وبالذات في الجانب الاقتصادي والتجاري والتقنيات المتقدمة، وفي الذي يخص جزيرة تايوان؟ من وجهة نظري المتواضعة ان هذا البرود الصيني هو استجابة لهذه التساؤلات مجتمعة. ان القيادة الصينية تدرك تماما ان هذه الدعوات تتناقض تماما مع واقع السياسية الامريكية اتجاه الصين وفي جميع الحقول التي سبق الاشارة لها في هذه السطور المتواضعة. كما ان الذين يحكمون الصين حاليا هم نتائج الحزب الذي حكم الصين خلال عدة عقود منصرمة؛ والتي شهد الحزب الشيوعي الصيني خلال هذه العقود الحرب الباردة بين الكتلتين العظميين السوفيتية والامريكية، أي بين الكتلة الرأسمالية الامريكية والاشتراكية السوفيتية كما درج على تسميتها في ذلك الوقت.
كما ان الجيل الجديد من قادة الحزب الشيوعي الحاكم؛ يعرفون ومطلعون على هذا التاريخ وملابساته، وعمق وتعقيد الاشتباكات في اتون هذا التاريخ من الحرب الباردة ؛ من بين هذه الاشتباكات وتعقيدها؛ هو موقف الصين في حينها من صراع الكتلتين على الرغم من انها محسوبة ايديولوجيا على الكتلة السوفيتية؛ لكنها وقفت على الحياد، ليس بسبب الخلاف على الحدود، الذي كان موجودا في سنوات الاولى للحرب الباردة، التي كانت الصين في وقتها الى جانب الاتحاد السوفيتي، إنما بسبب المصالح والمقايضات التي دفعت البعد الايديولوجي الى الخلف لصالح المصالح التي قدمتها الولايات المتحدة للصين على مائدة الاغراءات السياسية والاقتصادية والتجارية والصناعية. كل ذلك هو من اجل اضعاف الاتحاد السوفيتي الى جانب ما سوف تحصل عليه الشركات الامريكية في الاستثمار في الصين وهذا هو ما حدث. ان الولايات المتحدة تريد ان تلعب ذات اللعبة في الوقت الحاضر، إنما بالحدود المسموح بها أي بالحدود التي لا تمنح او تزيد من زخم حركة الصين في الاقتصاد وفي السياسة وفي توسعة مجالاتها التجارية والمالية والاستثمارية خارج حدودها الجغرافية، على مساحة العالم، بما ينعكس ايجابا، او يساهم مساهمة فعالة في تقوية وتوسعة قاعدتها العسكرية كما ونوعا في استثمار زمن السلام لصالح هذه التوجهات. الولايات المتحدة تطوق الصين بالتحالفات العسكرية وغيرها، وبدعم لامحدود لجزيرة تايوان؛ بما يتقاطع كليا مع دعواتها الى التهدئة مع الصين والى التعايش السلمي معها أي مع الصين، والتنافس الشريف والشرعي. الحرب في اوكرانيا هي من تضغط بقوة على الجانب الامريكي لتهدئة العلاقات مع الصين للحد من تعميق وتوسعة علاقة الصين مع روسيا في ظل الحرب في اوكرانيا؛ للانفراد بالأخيرة. هذا امر لن يحصل من وجهة نظري المتواضعة وذلك لاستفادة الصين فائدة كبيرة جدا في جميع الاصعدة من علاقة الشراكة الاستراتيجية بينها وبين روسيا، وبالذات في الطاقة، النفط والغاز، وهذا الحقل هو الخاصرة الرخوة للصين في صراعها البارد مع الولايات المتحدة، هذا الصراع القائم فعليا على الارض، هذا اولا. وثانيا؛ ان تاريخ السياسة الامريكية في اللعب على التناقضات وتضارب المصالح؛ سيلقي بظلاله على اتجاهات السياسية الصينية حاليا ومستقبلا. وثالثا؛ لا يمكن للصين ان تتغافل او ان تغض الطرف عن ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية في احاطة الصين بالتحالفات العسكرية، وبدعم لا محدود لجزيرة تايوان. رابعا؛ الشراكة الاستراتيجية مع روسيا ثابتة مستقرة، لأن روسيا تحتاجها في الوقت الحاضر وفي المستقبل.. بنفس القدر الذي تحتاجه الصين من هذه الشراكة الاستراتيجية. خامسا؛ ان الصين ستبقي مسافة معقولة ومقبولة لهذه الشراكة بعدم او استبعاد تحولها الى حلف عسكري، استبعاد كلي من وجهة نظري المتواضعة. سادسا؛ ان الصين ستعمل وهي بالفعل عملت سابقا والى الآن؛ على تعميق علاقاتها الاقتصادية والتجارية والمالية مع دول الاتحاد الاوروبي وبالذات فرنسا والمانيا..