الموازنة : هل تعلمت من سابقاتها
كتب / نجاح عباس رحيم
الموازنة : هل تعلمت من سابقاتها , والشخصية الوطنية هل تنبأت بالإحتمالات المستقبلية وسلوك الدول ؟!
جرى التعريف العام لقانون الموازنة المالية وفق المفهوم الواقعي , انه مجموعة ارقام لقرارات مالية وضعت بأقلام خبراء بالإقتصاد والمالية ببالغ الدقة من الناحية الحسابية وبشكل ثابت لتمويل جوانب عديدة من حياة المواطنين لفاصل زمني محدد بسنة واحدة او اكثر , وهي تختلف من ناحية الصياغة بينها وبين الموازنة المالية اثناء الحروب .
من هذه الجوانب التي يجب ان تهتم بها الحكومة ذات الشأن الوطني في الموازنة المالية للأعوام 2023 و2024 و2025 هو الجانب الخدمي ويشمل القطاع الصحي والصناعي والتربوي والزراعي الذي ينطوي أيضآ على الإهتمام بالثروة المائية واخيرآ في الجانب البيئي الذي يهتم بالسلامة البيئية وتغيّر المناخ , فضلآ عن اهتمامها بالصناعات العسكرية وبالطبقة العاملة والقطاع الخاص ومعالجة السكن بالعشوائيات وتطوير شبكات الطرق والمواصلات .
وعلى رأس الإهتمامات التي تضطلع بها لجان صياغة الموازنة هو تنظيم ايرادات الدولة المختلفة وخاصة في الموارد النفطية المعرّضة الى التقلبات بالأسعار في الأسواق العالمية , حيث من جراء ذلك التنظيم الدقيق يتم توزيع التمويل اللازم والكافي للمشاريع المختارة من قبل الحكومة والمثبتة في الموازنة حصرآ مع مراعاة جانب الإدخار المالي من الوفرة الناجمة .
لايخفى على الجميع ان صياغة ابواب الموازنة بشكل دقيق ستسهم حتمآ في سلاسة صرف المبالغ المخصصة للمشاريع وفي تثبيت ثقة الشعب بالحكومة وبمواقفها السياسية اللاحقة , فضلآ عن كسب ثقة دول العالم كونها , أي الموازنة , تعتبر البيان المالي الذي يعكس اطوار تطور الدولة في المجالات المذكورة .
لذلك ان ادراك هذه المعايير بشكل استباقي وخاصة في جانب إضافة انواع جديدة من الضرائب والجباية غير المدروسة بشكل علمي واقتصادي لها تأثير سلبي على حياة الأفراد , بالمقارنة مع المعايير السابقة التي تمت بها صياغة الموازنات من دون معالجة عوامل الفقر وتنشيط الصناعات المحلية المختلفة أوتفعيل الإستثمارات في القطاع الخاص لتكرّس في تقديم فرص العمل للعاطلين بدلآ عن ضخ الموظفين بالتعيينات بشكل يضر بالإقتصاد الوطني , فضلآ عن زيادة في البطالة المقنعة داخل دوائر الدولة التي يثقل كاهلها بالتخصيص المالي العقيم بالجدوى الإقتصادية ,
إن ذلك الإدراك , حتمآ , سيُفشل تحركات البعض من ذوي الأفق الضيقة الذين يسعون الى تعديل بعض فقرات القانون بأفكار هشة وحجج ملتوية وبالفوضوية نفسها التي تدفقت منها باقة موازنات الحكومات السابقة , وهم في حقيقتهم دون مستوى الإدراك النوعي والعقلاني الذي يتمتع به اهل الإختصاص الذين صاغوا القانون من الناحية الإقتصادية وكانوا به مستندين على حقائق ومناهل اقتصادية تؤسس الى استقرار مسيرة الإقتصاد الوطني وفقآ لمفاصله المرتبطة مع بعضها ولاتقبل التعديل بمجرد اتفاقات ذات مصالح سواء حزبية كانت او شخصية .
الجدير بالذكر ان معظم الدول الخاضعة لسياسة الهيمنة الأمريكية , وحاشا للعراق ان يكون من بينها , توزع اموال الموازنة بشكل متنوع وثابت على الأمن الوطني والتعليم العالي والصحة والنقل , وتتجاهل تطوير القدرة العسكرية , وهي في ذلك تحث الدول المجاورة لها على اتخاذ مواقف ابتزازية ضدها بسبب الضعف المبطن في استعداد الدولة للقيام بمهام الدفاع عن منجزات البلاد والمبين في بيان الموازنة المعلن على الملأ .
اذن على الشخصيات السياسية ذات العلاقة بالصياغة وبالتصويت على الموازنة ان يتحلوا بالوطنية التي تتنبأ بالمستقبل بعد عتمة الماضي التي صنعتها قوى الظلام , إذ ان الوطنية تعصم اصحابها من ان يخضعوا من الناحية السياسية لأي قوالب سياسية خارجية أو جهات مضادة داخلية تمنعها من تخصيص جزء من الموازنة لتطوير القدرة العسكرية المخصصة للدفاع عن منجزات البلاد وتحجيم السلوك المنحرف لمثل تلك الدول المتربصة التي تتصيد بالماء العكر بحجج سخيفة .
ان التوجه للصناعة العسكرية التقليدية النموذجية وغير المهددة ستكون بلاشك واحدة من اعظم مخرجات الموازنة التي تثير حماسة الشعب وتقذف البلد الى مابعد مرحلة البطء في الرد على انتهاك القوى الظلامية التي قدمت من وراء الحدود بشكل مباغت على مدن الموصل وصلاح الدين والانبار من ناحية , وعلى انتهاكات تركيا الأردوغانية من ناحية اخرى .
في الختام , عند انتهاء التصويت على قانون الموازنة , ينبغي نشره في الصحف والمواقع الألكترونية ليكون شاهدآ وحجة على أسلوب معاينة الحكومة الوطنية للوضع الإقتصادي بشكل واقعي ونزيه سيما انها تنتهج الديمقراطية الحقيقية بلا رتوش , إذ ان بيان الموازنة بكل ابوابه , هي وثيقة تتكلم عن ضمير الكتل السياسية المشتركة بالتصويت على اقراره , وهذا الضمير يرتكز على المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقها في معالجة معاناة وآلام الشعب العراقي لتحقيق حاضر كريم ومستقبل زاهر ,
ومن دون هذا المرتكز الأخلاقي سيكون بيان الموازنة بمثابة اعلان الحرب على الشعب وذريعة لإنتاج اجيال جديدة من اللصوص , كما ان استراتيجية شمول المشاريع السابقة المتلكئة والجديدة في الموازنة الثلاثية لاتعد ولا تحصى وتتيح المجال الى ذلك , لذلك تحتاج الى تخصيص فرق مراقبة مالية واعتبارها كالمنافذ الحدودية في عملها المدعوم بالأتمتة الألكترونية .