تسوركوف عين الموساد في العراق
كتب / علي الحسني ||
إن عالم التجسس والمخابرات عالم تحيط به السرية من جميع الجهات ويدار من داخل الغرف المغلقة والمظلمة ولا يخرج للعلن شيء منه إلا ما ندر وحتى إذا حققت أي دولة نصرًا استخباراتي لا تعلن عنه أو يتم الإعلان عنه بعد فترة زمنية ليست بالقصيرة وذلك كما حصل للجاسوس المصري رفعت الجمال أو ما عرف بالمسلسل المشهور رأفت الهجان
والذي زرعته المخابرات المصرية بقلب تل أبيب ولم تعلن عنه إلا بعد وفاته، وأن الحرب الاستخباراتية من اهم الحروب وأخطرها فيمكن أن تتغير معادلات كثيرة بعمل استخباراتي واحد و أن زرع الجواسيس وتكوين الشبكات التجسسية من الأمور المهمة والخطرة في الوقت نفسه.
فقد تمكن جهاز الموساد من زرع جواسيسه في دول مختلفة وهو جهاز استخباراتي لا يستهان به أبدًا، كما أن العمل التجسسي لا يقتصر على الجانب العسكري فقط بل يشمل جميع الأمور التي تخص البلد من التركيبة الاجتماعية والحالة الاقتصادية والعلاقات الداخلية والخارجية وغيرها الكثير، واليوم العراق ليس بعيد عن أعين الموساد الإسرائيلي وبالأخص عندما أصبح لبغداد قوة عسكرية مؤثرة تسمى الحشد الشعبي.
وفي ٥ تموز الحالي أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن اختفاء مواطنة إسرائيلية في بغداد، وحملت الحكومة الاسرائيلية الحكومة العراقية مسؤولية سلامة اليزابيث تسوركوف وهي مواطنة يهودية من أصول روسية وقد زأرت العراق لغرض البحث والدراسة بحسب قول مكتب نتنياهو.
نقول إن هذا التصريح من تل ابيب فيه ثلاثة إحتمالات
الأول : إن تسوركوف فعلًا تزور العراق لغرض البحث والدراسة وليس لغاية في نفس يعقوب.
الثاني : إن تصريح الحكومة الاسرائيلية غير صحيح وبعيد عن الواقع وتسوركوف لم تختفي بل أخفت نفسها بمساعدة الموساد والاتفاق معه.
الثالث : إنها فعلًا جاسوسة إسرائيلية واستعملت البحث غطاء لعملياتها التجسسي.
فأما الأول نقول إن تسوركوف تعلم بحجم الخطر الذي يحيط بها لكونها مواطنة إسرائيلية غير مرغوب بها في العراق فكيف تتجول في بغداد وعدد من المحافظات العراقية بكل هذه الأريحية وبلا احتراز أمني؟
ألم يكن الأفضل أن تلتجئ إلى السفارة الروسية باعتبارها من أصول روسية ودخلت الأراضي العراقية بجوازها الروسي ويقوم الملحق الثقافي في السفارة بتوفير لها كل ما تحتاج من مصادر والتنقل آمن في مختلف أنحاء العراق وتنجز بحثها أو السفارة الأمريكية تقوم لها بهذا الدور ولا تجازف كل هذه المجازفة وتعرض نفسها للخطر.
أما الثاني فيمكن أن تكون تسوركوف غير مفقودة ولم تختفِ وكل ما ذكرته تل أبيب غير صحيح بل تمويه.
نعم أنها زارت العراق وتعمدت الجلوس بمقهى مشهور في بغداد والتجول بعدد من المحافظات بشكل شبه علني ثم أختفت بعد ذلك بالإتفاق مع الموساد الاسرائيلي، والغاية من كل ذلك هو وجود مبرر لتل أبيب من أجل تنفيذ عمليات عسكرية لاغتيال عدد من قادة المقاومة في العراق أو غيرها من العمليات العدائية التي تخطط لها إسرائيل.
نقول ربما يكون هذا الاحتمال وارد لاكن لا يصل الحال أن يعلن مكتب رئيس الوزراء بنفسه عن اختفاء الباحثة اليهودية ويحمل العراق مسؤولية سلامتها بل هذا الإعلان يكشف عن أهمية تسوركوف لدى تل أبيب كما أن إسرائيل لا تحتاج إلى مبرر مثل هذا لتنفيذ مخططاتها العدوانية بحق قادة فصائل المقاومة العراقية بالإضافة إلى الردود السلبية التي يمكن أن تطال حكومة نتنياهو من الداخل الإسرائيلي لعدم منعها لمواطنة يهودية من السفر إلى العراق حفاظًا على سلامتها.
وأما الثالث هو أن تكون تسوركوف فعلا جاسوسة إسرائيلية وقد جاءت إلى العراق لإنجاز عملية معينة وتصريحها أن الغاية من زيارتها للعراق هي لإجراء بحث دراسي ما هو إلا غطاء لعملياتها التجسسية وحتى تتحرك بحرية، كما أن نشاطاتها السابقة في العراق وغيره من الدول تثير الريبة والشكوك، فقد اشتركت بحرب تموز في لبنان ب٢٠٠٦، وكان لها دور بالأحداث السورية حيث دعمت الجيش الحر وعمليات التمرد المسلح ضد الرئيس بشار ألاسد وكذلك دعمت تشرين و مظاهراتها وثورة عاشوراء التي قام بها التيار الصدري بالعام الماضي كما كان لها نشاط مريب في فلسطين المحتلة وقد ضهرت بعدد من مقاطع الفديو وهي تحمل العلم الاسرائيلي بجانب علم إقليم كردستان في شمال العراق.
أي كل نشاط يشجع على الفوضى يكون لها دور فيه حتى ولو بكلمة، وكل ما تقدم يثير الشكوك حول شخصية اليزابيث تسوركوف وتحركاتها المريبة وبالأخص في دول محور المقاومة، أي أن ما تقدم يؤدي إلى ترجيح الاحتمال الثالث على الأول والثاني، كما أن هناك عدد من الأسئلة في هذا الموضوع تحتاج إلى أجوبة
أولًا : إن إليزابيث تسوركوف فقدت أواخر آذار الماضي ولم تعلن تل أبيب عن اختفائها إلا في أوائل تموز الجاري فلماذا سكت بنيامين نتنياهو طوال هذه الفترة؟
هل كان هنالك مفاوضات وفشلت؟ هل كان يتأمل نتنياهو أن تقوم الجهة التي اعتقلتها بالإفراج عنها بعد مرور فترة زمنية معينة؟ وإن كان هذا التفكير من الغباء إن فكرت تل أبيب به.
ثانيًا : إن تسوركوف من أصول روسية ودخلت للعراق بجوازها الروسي كما قلنا والعلاقة بين تل أبيب وموسكو جيدة إلى حد ما فلماذا لم تطالب بها روسيا؟ هل لجأت أليها إسرائيل ورفضت موسكو التدخل والمطالبة بتسوركوف؟.
ثالثًا: إنها طالبة دكتوراة في جامعة برينستون الأميركية وبعثتها الجامعة إلى العراق لإجراء بحث دراسي فلماذا لم تطالب بها واشنطن بعد ما تستعين بها تل أبيب؟ والعلاقة بينهما جيدة جدًا
نقول ونتسائل هل موسكو و واشنطن تدخلا بشكل غير معلن؟ أم لم يتدخلا بهذا الموضوع بشكل علني فقط؟ أم لم يتدخلا أصلًا لا سرًا ولا علنًا وذلك لأنهما لم يستجيبا لطلب إسرائيل لأي سبب من الأسباب غير التجسس أو أنهما يعلمان إن تسوركوف جاسوسة وانكشف أمرها ولا يطلق صراحها بهذه السهولة.
رابعًا: القرائن تشير على أنها جاسوسة إسرائيلية فكيف يحمل نتنياهو مسؤولية سلامتها للحكومة العراقية؟
فلو عكسنا الأمر واعتقل جاسوس في قلب إسرائيل هل سيكون الموقف مشابه! وهل ستقبل تل أبيب بمثل هكذا موقف؟، وهل فعلًا هي ما زالت في العراق ؟ كما زعم نتنياهو.
فعندما قامت الولايات المتحدة الامريكية باغتيال قادة النصر قامت المخابرات الأميركية بتتبع الشهيد قاسم سليماني من سوريا إلى لبنان إلى سوريا ومن ثم نفذت جريمتها في العراق، ونعني بما تقدم أن تسوركوف بلا شك كشفت قبل فترة ليست بالقصيرة وتمت مراقبتها من خلال أجهزة مخابرات وليس جهاز واحد وهي لديها نشاط في اكثر من دولة فكم جهاز مخابرات اشترك بكشف ومتابعة واعتقال تسوركوف؟. ومن كم دولة؟
خامسًا: قامت تل أبيب بتحميل مسؤولية سلامة تسوركوف لبغداد فهل للعراق دور مباشر في اختفاء الجاسوسة؟ وهل ابتعدت الحكومة العراقية عن عملية اعتقالها وترك الأمر إلى فصيل من فصائل المقاومة حتى لا يتمكن الموساد من الوصول إليها وبالتالي يقوم بتحريرها.
سادسًا: لقد زعم نتنياهو إن من اختطفها هم كتائب حزب الله العراقية فهل يوجد دليل عند إسرائيل على أن كتائب حزب الله هي من اعتقلت تسوركوف؟ وقد نفت الكتائب علمها بمثل هكذا أمر
وهل الجهة التي تقف خلف اعتقالها أو اختفائها عراقية أم غير عراقية وجاءت من خارج العراق؟ ونفذت عملية الاعتقال.
نقول إن الجواب على كل ما تقدم ليس بالأمر اليسير لأن مثل هكذا عمليات وأسرارها لا تخرج إلى العلن بسهولة كما قلنا في بداية المقال وإن تمكنت عزيزي القارئ أن تحصل على الجواب لكل هذه الأسئلة ستعرف أن إليزابيث تسوركوف هي جاسوسة أم مجرد باحثة.