العراق والكويت.. تحرّرَ الكويت وبقي العراق يعاني من الفصل السابع وترسيم الحدود
كتب / السفير الدكتور جواد الهنداوي
لمْ يدمْ احتلال العراق للكويت اكثر من بضعة شهور ( من تاريخ ١٩٩٠/٨/٢ ولغاية ١٩٩١/٢/٢٥ ) ، ولكن لاتزال مُعاناة العراق ،ليس فقط من جرائم واخطاء و تهّورات النظام السابق ، وانما ايضاً مِنْ حصار اممي و احتلال دولي، وحزمة قرارات أُمميّة مُجحفة ، ويشوبها عيبٌ قانوني ،بحق سيادة و وحدة اراضي ومياه العراق ،اصدّرها و نفّذها مجلس الامن بموجب قراراته رقم ٦٨٧ في عام ١٩٩١ ، و٨٣٣ في عام ١٩٩٣ .
مَنْ يقرأ، وبتمعّن، القرارات المذكورة و مرفقاتها من الوثائق و الملحقات ومحاضر جلسات اللجان ،التي شُكّلت بموجب القرارات ، و قرارات اللجان ، سيطّلعُ على تحيّزُ غير مسبوق من الامم المتحدة و من مجلس الامن ومن اللجان المُشكّلة وبعض الخبراء الذين انتدبوا من قبل مجلس الامن لتنفيذ القرارات المذكورة ، وخاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود ، وسيطّلع كذلك على تجاوز لمجلس الامن للصلاحيات الممنوحة له ،بموجب ميثاق الامم المتحدة.
ليس للمرّة الاولى ،أكتبُ عن الموضوع( العراق والفصل السابع ) ،سبقَ و إنْ تناولته ، اكثر من مرّة ومنذ عام ٢٠٠٤ ،في تقارير وظيفية خاصة، وفي مقالات منشورة في اكثر من مصدر .
واكتبُ الآن أهّمُ ما اورتهُ من الآراء والملاحظات :
١- كان ينبغي اخراج العراق من الفصل السابع منذ تاريخ تشكيل مجلس الحكم العراقي و وضع العراق قانونياً تحت سلطة الاحتلال الامريكي ، حيث لم يعُدْ آنذاك بلداً يهدّد الامن والسلم العالميّن . وكان بالامكان وضعه فقط تحت الفصل السادس من اجل المستحقات والتعويضات الكويتية و الدولية .
كيف يمكن تفسير استمرار وضع العراق ،تحت الفصل السابع، ومصنف مُهدّداً للأمن والسلم العالميّن ، و هو ، في ذات الوقت ،مُحتلاً من قبل امريكا ؟
كيف يمكن قبول الوصف القانوني للعراق كبلد يهدّد الامن والسلم العالميّن ، وهو مُحتلاً من قبل امريكا ؟ و أصبحَ ،بعد انهاء احتلاله قانونياً عام ٢٠١١، مرتبطاً بإتفاق استراتيجي مشترك مع أمريكا ؟
استفهامات مشروعة و ذكرناها ،في وقتها ، ولكن الاهتمام السياسي للدولة وللمؤسسات الدستورية كان منصّباً على ادراة البلاد و محاربة الارهاب وعدم الدخول في سجال قانوني وسياسي ( قد يكون عقيم ، حسب رأيهم ،مع الادارة الامريكية ) ، وكان ربما لبعض القوى السياسية مصلحة في ان يبقى العراق ضعيفاً وتحت الفصل السابع و منقوص السيادة .
الآن ،من حق المواطن والمسؤول ان يتساءل ،هل خرج العراق عملياً و قانونياً من احكام الفصل السابع ؟
عملياً ، نعم .
قانونياً ،هنالك رأيان: الاولُ مبنيٌ على استمرار او على انهاء التدابير المُتخذة وفقاً لاحكام الفصل السابع .حسب هذا الرأي ،انهاء كافة العقوبات والتدابير القسرية المتخذه بموجب احكام الفصل السابع ، و وفقا لقرارات صادرة تباعاً من مجلس الامن ،يعني ذلك خروج العراق من الفصل السابع . اصحاب هذا الراي يعتبرون ان اعلان خروج العراق من الفصل السابع ،ومن قبل مجلس الامن هو اعلان اعلامي وسياسي اكثر مما هو قانوني .
والرأي الثاني يرى بضرورة قيام مجلس الامن بأصدار قرار واضح وصريح بخروج العراق من الفصل السابع ، اصحاب هذا الرأي ، و اغلبهم من المدرسة القانونية الفرانكفونية ،الكلاسيكية ، يتبنون الفكرة التالية ” مثلما وُضِعَ العراق تحت احكام الفصل السابع بموجب قرار واضح وصريح ،على مجلس الامن اصدار ايضاً قرار واضح وصريح بتحرير العراق من احكام الفصل السابع ، وبخلافه ،يكون استمرار او تحرر العراق من احكام الفصل السابع موضوع جدل وقابل للتفسير و للتأويل ،وومكن ان يكون فرصة ابتزاز وضغط سياسي من قبل احدى الدول الكبرى .
القرار الاخير الصادر من مجلس الامن برقم 2622 والمؤرخ في 2/2/2022، يعلن صراحة بأنَّ العراق انهى كافة التزاماته المالية و الاجرائية مع لجنة التعويضات ، وبالتالي انهاء كافة الاجراءات المتخذة ،من قبل مجلس الامن ،استناداً الى الفصل السابع ، فيما يتعلق بملف التعويضات ، القرار لم يعلن صراحة و بوضوح تحرّر العراق و خروجه من احكام الفصل السابع .
٢- في القرار رقم 660 لعام ١٩٩٠ , دعا مجلس الامن كل من العراق والكويت العمل من اجل حّلْ خلافاتهما ، و مِنْ بينها ترسيم الحدود ، ولكن في القرارات التي تلت القرار المذكور اعلاه ، تبنى مجلس الامن موقفاً يتناقض مع دعوته الى العراق و الى الكويت بالسعي لحل خلافاتهما ،حيث حّلَ محلهما في ترسيم الحدود .
فالقرار رقم 687 لعام 1991 ، القسم ( أ) منه ، فرض مجلس الامن بموجبه أُسس و اسلوب ترسيم الحدود ، وهي سابقة اممية ،لم تحصلْ من قبل ، وتجاوز واضح لصلاحيات مجلس الامن ،حيث لم يعهد ميثاق الامم المتحدة ايّة صلاحية لمجلس الامن للقيام بمهام ترسيم حدود بين دولتيّن ذات سيادة . ترسيم الحدود بين دولتيّن يتم بأرادة الدولتيّن و بأعتبار الموضوع امر سيادي ،وفي حال خلاف او اختلاف بينهما يحق لاي طرف الاستعانة بمحكمة العدل الدولية في لاهاي .
٣- اعتمدَ الامين العام للامم المتحدة ،وتنفيذا لقرار مجلس الامن المذكور اعلاه ، على خارطة بريطانية مرسومة عام 1989-1990،من قبل مدير عام المساحة العسكرية في المملكة المتحدة ،وتم تداولها كوثيقة من وثائق الامم المتحدة ،وبناءاً على طلب الممثل الدائم للمملكة المتحدة في الامم المتحدة ،في رسالته المؤرخة في 1991/3/28اي خمسة ايام قبل اعتماد القرار 687في 1991 . وقد اعترض العراق حينها على ذلك وبشكل رسمي و معزّز بوثائق . كما اعترض العراق ايضاً على تركيبة اللجنة الدولية المشكلّة من قبل الامين العام للامم المتحدة ، والمؤلفة من خمسة اعضاء ،عضو يمثل العراق وعضو يمثل الكويت وثلاثة خبراء يختارهم الامين العام للأمم المتحدة .
٤- استقالة رئيس لجنة ترسيم الحدود ، السيد مختار كوسوما ، وزير خارجية اندنوسيا الاسبق ، وبعد فترة وجيزة من عمله . وقد اشار صراحة الى اسباب الاستقالة : الاول شخصي والثاني هو اعتراضه على عمل اللجنة في ما يخص الحدود الشرقية ،اي الجزء البحري وخور عبد الله .
الاستقالة تدلُ على وجود جدل وتجاوزات من قبل خبراء اللجنة ، و ضغوطات من قبل الامين العام للامم المتحدة ،من اجل الاسراع في ترسيم الحدود البحرية .