مشكلة كركوك … الزمن يصنع الحلول
كتب / حافظ آل بشارة ||
الاحداث الاخيرة في كركوك اعادت مشكلة المحافظة الى المربع الاول، ويبدو الصراع حول مصير مدينة ما في اطار بلد موحد وكأنه نموذج لصراع بدائي يحدث عادة في فترة ما قبل تشكيل الدولة ! فهل اصبح العراق متراجعا ليعيش احداث ما قبل الدولة في قضية كركوك؟
الدستور قدم حلا لمشكلة المحافظة متمثلا بالمادة 140 التي تتضمن خطوات التطبيع والاحصاء ثم الاستفتاء الا ان عمر المادة انتهى ولم تنفذ ، وهناك من المراقبين من يعتقد انها لو نفذت فسوف تضمن عدم ضم كركوك الى الاقليم، لأن سكانها العرب والتركمان اكثر عددا من الكرد، فتبدو اعاقة تطبيق المادة 140 منسجمة مع مطلب كسب الوقت وتحقيق المزيد من التكريد السكاني لكركوك، خاصة وان المواليد الكرد الجدد اينما كان مسقط رؤوسهم يتم تسجيلهم باسم كركوك.
المشكلة في كركوك سياسية وليست اجتماعية، فالمكونات متعايشة منذ قرون ولكن الساسة هم الذين يخططون للضم، فالاحزاب الكردية يمكن ان تختلف على كل شيء الى حد القتال الا بشأن كركوك فالجميع يريد ضمها الى كردستان بسبب نفطها، ولكن الحماس السياسي الكردي لضم كركوك بدأ يخف في سنوات ما بعد الغزو الداعشي، ذلك لأن مصداقية القوى السياسية الكردية اهتزت في محافظات الاقليم واصبح الاهالي هناك يشعرون ان سلطات الاقليم لم تتقدم خطوة باتجاه حل مشاكل المواطنين وارتفاع نسب الفقر والبطالة حسب النقد الذي يوجهه المتظاهرون هناك والاحزاب الكردية المعارضة في اعلامها ، وتصاعد التهم ضد سلطات الاقليم بانها تستحوذ على الاموال وتمارس القمع ضد الاهالي، لذا يبدو مطلب ضم كركوك غير مدعوم شعبيا باعتباره مطلب السلطة وساستها واحزابها وليس مطلبا كرديا شعبيا، وهنا يبدو ان مضي الزمن وتراكم فقدان الثقة بين سلطة الاقليم وجمهورها ربما هو كفيل بأن يضع مشكلة كركوك في دائرة الاهمال، كما ان اغلب المثقفين الكرد يعتقدون بان زمن الاقليم القومي او الدويلة الانفصالية القومية قد ولى ولم يعد مناسبا للوقت ومطالب الحداثة ، خاصة وان تجربة الاقليم للسنوات العشرين الماضية لم تكن مثالية بما يكفي ، ومع ان البديل غير واضح الا ان النموذج القائم في كردستان لم يعد جذابا ، فيكون مطلب ضم كركوك جزء من تجربة الاقليم التي بحاجة الى اعادة تقييم.
يبدو ان الحل الافضل ان تتفق كافة الاطراف في الاقليم والمركز على العودة الى خطوات التطبيع والاحصاء والاستفتاء كاسلوب عادل لتحديد مصير المحافظة وعدم اطلاق اسم المادة 140 على هذه الخطوات تجنبا لشرط الوقت الدستوري، وسيكون مضمونا بقاء كركوك خارج هيمنة الاقليم بسبب واقعها السكاني.
اهالي كركوك يضيقون ذرعا بوجود مقرات الاحزاب الكردية واعلامها ومسلحيها، لأنهم يقولون ان البيشمرگه يتعاملون مع المدينة وكأنها جزء من الاقليم، وان العرب والتركمان دخلاء عليها، وهذا تعامل من شأنه ان يسلب عنصر الأمان من حياة الاغلبية السكانية من عرب وتركمان، وهناك قوى خفية تعادي الجميع فتستغل هذا التناقض والقلق لتساعد على اعادة الارهاب الداعشي الى كركوك كوسيلة تخويف تجعل الجميع يشعرون بالحاجة الى الحماية ويرون ان بعض الشر اهون.
ان ضعف الحكومة الاتحادية وعجزها عن تحقيق حضور امني واداري وسياسي قوي في كركوك كواجب قانوني يساهم في تعميق المشكلة، بينما يعد ذلك الحضور الرسمي من الاعمال الطبيعية للحكومة حتى تكون السلطة الوحيدة، عندها لم يعد مهما وجود مقرات الاحزاب الكردية فيها، فتلك المقرات منتشرة في الموصل وصلاح الدين ونينوى وديالى ولا تسبب اي مشكلة، فالاحزاب الكردستانية احزاب عراقية مسجلة ورسمية ومشاركة في الحكومة والبرلمان ، اما رفع علم الاقليم خارج الاقليم فيعد مرفوضا وله معنى مختلف تماما عند الاهالي.