الثالوث المقدس لشرق الفرات(نفط، غاز، ليثيوم)
كتب / انتصار الماهود ..
شرق الفرات تلك البقعة الغنية بالثروات، مطمع القوى العالمية التي تكالبت على بسط نفوذها في سوريا، من أجل أن تحصل على حصتها المجانية من تلك الثروات.
الكل يعرف كيف تحول الوضع في سوريا بعد عام 2011 ونشاط التنظيمات الإرهابية والمعارضة في سوريا، وتمكنها من السيطرة على أراضٍ واسعة فيها، ولو لا ستر الله وقوات المقاومة الشيعية التي دافعت عن أجزاء مهمة من سوريا وتحجيم دور تلك التنظيمات، لكنا اليوم نرى بدل علم سوريا علم داعش، وقادتها هم أبو قتادة و أبو حفص و من لف لفيفهم، ونساؤها تباع وتشترى في سوق النخاسة.
من قال أن الثروات تكون هبات ونِعم، أحيانا تتحول الثروات التي نمتلكها الى نقمة شديدة، كما حدث في سوريا، صحيح أنها لاتمتلك ذلك الإحتياطي الكبير من النفط، إلا أنها تمتلك احتياطي من الغاز الطبيعي ومادة الليثيوم الذي جعلها عرضة لمطامع الإحتلال الإستعماري بحلته الجديدة، ألا وهو الإرهاب الداعشي، والذي لا يخفى على الجميع إنه صناعة أمريكية من أجل تقسيم سوريا والعراق، والسيطرة على مقدراتهما، وهنا تحولت سوريا لمقاطعات ضعيفة خاضعة لها، ولموقع سوريا المهم إستراتيجيا والقريب من تركيا، لم يقبل الترك بالنفوذ الأمريكي المتنامي قرب حدودهم الجنوبية، وحاول الاأراك التدخل بشتى الحجج في المنطقة، مثلا أن هجمات التنظيمات الإرهابية تهدد أمن تركيا، وإن حزب العمال الكوردستاني ال PKK يتحرك في سوريا إضافة للعراق ويوجه هجماته لتركيا، لذا يجب ان يكون هنالك تدخلا تركيا عسكريا على الأراضي السورية لكبحه ، لم يستطع بشار الأسد أن يقف مكتوف الأيدي مقابل هذا التدخل السافر، فطلب من الحليفة القوية روسيا بالتدخل لصالحه وتحجيم دور القوات الأمريكية وخلق نوع من توازن القوى في شرق الفرات، وطبعا هذا التدخل لم يكن مجاني أبدأ ، فلروسيا مصالح إستراتيجية في المنطقة ومن المفيد جدا لها، وضع موطيء قدم لها هناك.
لا يخفى على الكثيرين إن قوات التحالف قد دخلت إلى الأراضي السورية من العراق عام 2011 بحجة مقارعة تنظيم داعش وإيقاف إمتداده للعراق والدول المجاورة، وإنتشرت أكثر القوات الأمريكية، والتي تجاوز تعدادها الألفي مقاتل آنذاك، وفرضت قوات الإحتلال سيطرتها على منطقة ال 50كيلو وهي منطقة الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، والتي تبلغ 50كم عرضا و 600 كم طولا على الحدود، منطقة مهمة جدا تعتبر الحاضنة الأم لتدريب داعش وجبهة النصرة.
إن الجزيرة التي تقع شرق الفرات والتي تمثل مثلثا مهما يخضع لسيطرة ثلاثية ( أمريكا، روسيا، تركيا)، وتنافس فيما بينهم على فرض النفوذ، لم يعرف الإستقرار منذ عام 2012 ، فهو بين مد القوات الامريكية و جزر القوات الروسية و تباين نفوذهما مع تدخل ذكي للنفوذ التركي.
بعد العام 2018 فقدت القوات الأمريكية السيطرة تقريبا على تلك المنطقة، بعد تحييد دور التنظيمات الإرهابية وسيطرة قوات الحشد الشعبي على الحدود المشتركة، من تلعفر وصولا لألبو كمال وهذا ما وضع قواتها في حرج، فإن إنتفت الحاجة لها ما المبرر لبقائها في المنطقة؟
إن السياسة الأمريكية تقوم دوما على الخطط الهجومية و إستباق الأحداث وتحين الفرص، في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهذا ما نراه جليا في تعاملها مع ملف الإرهاب المفتعل في الشرق الأوسط بشكل واضح، إلا أنها بدأت فعليا بتغيير سياستها نهاية عام 2022 من هجومية الى دفاعية إستباقية من أجل المحافظة على مكاسبها في المنطقة، فمن غير المعقول أن تترك الساحة أمام تركيا و روسيا!!!
ولذلك إنتهجت سياسة تختلف كليا عن المرحلة السابقة، وذلك من خلال إجتذاب العشائر العربية المعارضة للتواجد الأمريكي وتسليحها وتحييد دورها والمحاولة للمقاربة بينهم وبين قسد و حزب الاتحاد الديمقراطي على قدر المستطاع وتوحيدهم في جبهتها ، كما تم تغيير قيادة القوات الماسكة للأرض بتعيين الجنرال بي جي فاول بدلا من الجنرال تيموثي ماكفارلين في مطلع آب الماضي، وأعادت نشر قطعاتها بالذات الفرقة المجوقلة 101 شرق الفرات، مع تصريحات لمسؤولين أمريكان إن فلول داعش لا تزال تشكل خطرا كبيرا على المنطقة، فيما لو أعادت تنظيمها ونحن نعرف أن مثل هذه التصريحات، ما هي إلا إنذار للحكومات في المنطقة ” من يطالبنا بإخراج قواتنا، سندع داعش تتحدث مكاننا وسنعود حتما “.
فالأراضي التي قبضت عليها أمريكا بفكي مفترس من الصعب جدا أن تتركها بسهولة وتتخلى عنها لتعود من جديد لسيطرة حكوماتها، فالتخلي عن تلك النقطة من سوريا يفقدها السيطرة على غرب العراق وبالذات الانبار والتي تحتوى على أكبر جيوب للغاز الطبيعي في العراق، وإلا ما معنى تمركز قوات الإحتلال في قاعدة عين الأسد وعدم إخلائها للقاعدة رغم تعرضهم لضربات عنيفة، إلا لموقعها الاستراتيجي المهم؟؟.
ربما ناقوس الخطر يدق الآن وما على الحكومات إلا تبديل سياستها تجاه القوات الأمريكية وتحييد دورها والسعي لإخراجها إما بالطرق الدبلوماسية ، أو الغير دبلوماسية والتي تستعملها المقاومة العراقية الشيعية بين الحين والآخر، قبل أن تعود لتشن ضربات جديدة عن طريق ذراعها الإرهابي داعش، أو الخضوع لبقاء قواتها المحتلة على أراضينا لأطول فترة ممكنة، بحججها الواهية والمستهلكة في الدفاع عن الحريات والديمقراطية الوهمية لشعوب المنطقة.
وبقت يم الله والعمة رومانسكي وما تطلع النا بفتك جديد ما نكدر نخيطه.