ما الذي يعنيه 1600 دينار لكل 100 دولار ؟!
كتب / د.باسل عباس خضير ...
البعض من ( السخفاء ) و ( السفهاء ) ومن هم على شاكلتهم وممن اعتادوا السحت واصطياد الفرص والعيش على الظلم وعذابات الآخرين ممن لا تهمهم مصالح الناس وما يصيب الفقراء من قحط وعوز وحرمان ، لا يكترثون بما تشهده أسواق ( الموازي ) من تغييرات متصاعدة بأسعار الصرف لأنهم يعتبرون ما يحصل هو مجرد تغير في الأرقام ، والحقيقة التي لا تخفى على احد ليست كذلك على الإطلاق ، فزيادة سعر صرف الدولار يعني زيادة في أسعار الأدوية والتي يتحكم بأسعارها مجموعة من التجار وأصحاب الشهادات ولتي عجزت المؤسسات الصحية والعيادات الشعبية عن توفيرها ، كما إنها تعني نقص في خبز المواطن ولجوء أصحاب الأفران أما لتقليل عدد أرغفة الخبز والصمون او تقليل وزن ( الشنكة ) لإرضاء الزبون ، وسعر الموازي يعني الزيادة في كل الأسعار فاغلب الأشياء بات يتحملها المواطن من ماء الشرب لأصعب الالتزامات ، والبطاقة التموينية التي تنفق لها المليارات لا تسد إلا جزءا نزيرا من احتياجات الناس ، فالمعيشة لا تعني بطل واحد من الزيت وكيلو سكر و400 غرام من المعجون او البقوليات كل شهر ، بل تعني أوسع من ذلك بكثير في بلد نفطي مكون من 41 مليون يصدر يوميا قرابة 4 ملايين برميل بسعر تخطى إل 90 دولار هذه الأيام ، انه الغلاء وما إدراك ما الغلاء الذي يتركه التخلف الكبير للاقتصاد الريعي والذي يضيف له الفرق في أسعار الدولار والذي تظهر آثاره الواضحة على معيشة نسبة كبيرة من الشعب الذين يعانون غياب الرفاهية والسعادة التي كنا نحلم بعودتها منذ عقود ، وهذه التغيرات لا يظهر محتواها في إحصاءات الجهاز المركزي في التخطيط حين يعطينا تقارير سنوية تشير إن نسبة التضخم لا تزيد عن 4% كل عام استنادا لمتوسطات ومعايير .
وحين يكون سعر كيلو اللحم 20 ألف دينار ويغيب اضطراريا من موائد غالبية الناس ويبقي تذوق اللحم أمنية في الفواتح والمناسبات ، وحين تؤثر أسعار الصرف بشكل عاجل ومباشر على كل أسعار السلع والخدمات ، فان من حق المواطن أي مواطن أن يتساءل بصوت مرتفع أين دور الدولة وأجهزتها ومستشاريها ومسئوليها من الحؤول دون حدوث الفرق بأسعار الصرف حين تسعر الدولار ب1320 في حين إن سعره في السوق الموازي 1600 دينار ، ومن حقه أيضا أن يستفهم أين يذهب الفرق بين الرقمين وكم حرامي و ( وطني ) اشترك بهذه العملية التي تتكرر يوميا ليل نهار بعلم ومسمع ومرأى الجميع ، فهل الدولة غافلة عن ذلك أم إنها غافية وهل الأسعار في ظن او في ظلم فعلي وكيف تحصل تلك المهزلة ليس في الخفاء وإنما وسط المدن الكبيرة في بغداد والمحافظات ، فالدولار الموازي الذي يخالف التعليمات والتلاعب به من الجرائم الاقتصادية يباع في قلب العاصمة في الكفاح والحارثية وتتعامل به مكاتب وشركات الصيرفة المجازة التي وجدت لبيع الدولار بالسعر الرسمي ، ويسال من يسال أين وعود البنك المركزي الذي تغير محافظه ونائبه وقياداته من استقرار أسعار الصرف ، فحين استلموا المسؤولية كانت الأسعار بحدود 1450 دينار واليوم لامست ال1600 دينار ، والبعض يقول لا تستعجلوا الأمور فهي في حزم الإصلاح ولكنها تتصاعد و مستمرة منذ شباط لليوم ، والبعض يقول لا تتبطروا فالوضع عندنا أفضل من سوريا ولبنان وكأننا مغفلون ولا نعرف أحوالنا وان موازنتنا السنوية قيمتها 200 تريليون دينار اي 130 مليار دولار بما يكفي لتغطية احتياجات عدد من البلدان .
والمشكلة في مسألة أسعار الصرف وتأثيراتها على الغالبية العظمى من السكان إن حلولها ممكنة وليست مستعصية وأسبابها واضحة ومعروفة وتفهمها كل فئات الناس ، فالتحويلات للتجار والمسافرين تغطي معظم الاحتياجات لمن يعمل تحت الأضواء والحاجة خارج الأضواء هي التي تنشأ الأزمة وتزيد الأسعار ، وبعض المصرحين ممن يظهرون بوسائل الإعلام ومنهم يرتبط بمصالح مع جهات تتحكم بالدولار يروجون لاحتمال إن ترتفع الأسعار إلى 1700 او 1800 دينار لكل دولار ، وقد ظهرت أخيرا علاقة ( هل من مزيد ) بين مبيعات الدولار من نافذة العملة في البنك المركزي وأسعار الموازي فالأسعار ترتفع رغم ارتفاع المبيعات اليومية التي تتجاوز المليار دولار كل أسبوع ، والأكثر غرابة في الموضوع إن المبيعات النقدية التي تشكل نسبة من حجم إجمالي المبيعات هي التي ترفع أسعار الصرف ، فالمبيعات الأكبر تكون للتحويلات الخارجية وتباع بسعر 1320 دينار ومن المفترض بها تغطية الاستيراد ، ولكن ما يحصل انتقال عدوى السعر الموازي لمعظم الأسواق فالمستورد لا يحسب على أساس السعر الرسمي وإنما على أساس السعر الموازي ، وحين يقوم البعض بالتسعير استنادا للسعر الرسمي فإنهم يرفعون من قيمته بالدولار ، فالسعر بالدولار يتحول مثلا من 400 دولار إلى 475 دولار ثم ( يكسرونه ) على سعر 1320 لإيهام المشترين بأنهم لم يرفعوا السعر عن سعر البنك المركزي ، وبذلك تفند آراء من يقول إن نافذة العملة هي الضامنة لاستقرار الأسعار ، والسبب واضح للجميع ويتعلق بغياب الرقابة الشاملة على الأسعار وحين حضورها فان الفروقات يمكن تبويبها بعدة مجالات ، والحلول لكل ما ذكر في أعلاه لا يمتلكه المواطن لأنه لا يستطيع العزوف عن الشراء والمنتج المحلي لا يكفي لتغطية الاحتياجات كما انه يتأثر بسعر الدولار في الأسواق ، والحلول بهذا الحجم والتأثير يجب أن لا تنتظر صحوة الضمير او ( بالهبة والفزعات) ، بل في ممارسة الدولة لأدوارها لحماية الناس من الفقر والجوع والاستغلال وتهريب عملاتهم بمختلف الطرق و العناوين ، والعامل الأصعب في ذلك الفساد الذي يتمدد بالأعماق وتحول لتحدي كبير !! .