(البالة ) و ( اللنكة ) و ( الستوك ) لم تفارق العراقيين منذ سنوات !!
كتب / د. باسل عباس خضير …
الكلمات التي اشرنا إليها في العنوان متداولة ومعروفة منذ زمان بعيد وتعرفها الأجيال الحالية كما عرفها من قبلهم الآباء والأجداد ، وكلمة بالة في الإنجليزية (Bale) تعني حزمة كبيرة وهي تشير إلى مجموعة كبيرة من الملابس المستوردة المستعملة المتنوعة في الأشكال والأحجام ، أما ( الاستوك ) فإنها تكون من تصفيات المحلات الأجنبية والأوروبية وغير المستعملة ، وكلمة ( اللنكة ) تشير لأسواقها من الملابس المستعملة ، والأنواع الثلاث تجتمع في موضوع واحد وهو شراء فضلات او ( زبالة ) العالم لأنها غير مرغوبة لديهم و تستورد من الخارج و تتم تجارتها داخل البلاد وتخضع للبيع والشراء ، والغريب إن مكوناتها (منبوذة ) وتشير لحالة متدنية نوعا عند البعض بسبب مصادرها وما تعنيه من تدوير الفضلات في البلاد ، ولكنها تجارة موجودة ولم تنقطع منذ سنوات وتتمتع برواج مزدهر خلال هذه السنوات رغم ما جناه البلد من ثروات حيث يحسبون شعبه من اكبر الأغنياء ، وبحسب موقع مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC) فان العراق يحتل المرتبة ٤٦ عالمياً في استيراد هذه البضائع ويستورد سنوياً ما قيمته ٣٤٣ مليون دولار من الملابس المستعملة ومواد النسيج و تأتي من منافذ مختلفة ، وتهيمن الصين على الحصة الأكبر من الاستيرادات بمبلغ ٢٥٣ مليون دولار تليها تركيا بمبلغ ٤٦٫١ مليون دولار ثمّ الإمارات بمبلغ ١٤٫٧ مليون دولار ثمّ كوريا الجنوبية بمبلغ ٥٫٤٦ مليون دولار ثمّ ألمانيا بمبلغ ٥٫٣ مليون دولار ، وهناك دوافع وأسباب مختلفة لاستيراد هذه الأنواع رغم ما قد تحتويه من أخطار وفي مقدمة ذلك الفقر وعجز المنتج المحلي عن توفير ما تحتاجه أذواق المستهلكين على وفق قدراتهم المادية في الشراء ، كما تلعب الرغبة في مواكبة المودة العالمية وتقليد المشاهير دورا في الإقبال على الشراء عندما يكون المنتج الجديد صعبا المنال من حيث ارتفاع الأسعار ، كما يلجا لهذه الملابس الباحثون عن الجودة العالية ومن الماركات العالمية المعروفة بثمن معقول نسبياً .
ومن الناحية الشرعية فان استخدام الملابس المستوردة في البالات فيه محاذير إذا كانت تباع من غير فرز ومعرفة لمحتواها ، فلا يجوز شراؤها لما في ذلك من الغرر المنهي عنه ، كما روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" ( والغرر هو عدم اليقين او المجهول العاقبة ) ، ومن الناحية الصحية ربما يؤثر استخدام الملابس على الصحة خاصة عندما يكون يخصص منها للأطفال فقد يتسبب في إلحاق الضرر بهم ، فبعض الأطفال تكون لديهم حساسية سريعة من المواد الضارة التي تتسبب في أمراض جلدية ، كما أن بيع الملابس المستعملة واستخدامها للأغراض الشخصية للكل دون تعقيم وتطهير له عواقب صحية كبيرة فهي تنقل العدوى والأمراض بصورة كبيرة ، لكون المشترى لا يعرف من ارتدى هذه القطع قبله وما هي حالته الصحية ، والجميع يعلم ذلك إلا أن السعر المنخفض المغرى الذي تباع به تلك السلع يجعل مستهلكيها يغضون الطرف عن تلك الأخطار ، وبعض الأمراض تنتقل عن طريق الملابس المستعملة مثل الأمراض الطفيلية والفيروسية ، فالطفيلية ناتجة عن فطريات مثل السعفة وسعفة الفخذين ، أما الفيروسية الطفيلية مثل التنيا الجلدية ، كما إن الملابس غير القطنية قد تسبب الإكزيما الجلدية أو الحساسية دون تعقيم كافي وصحيح ، ومن الناحية الاقتصادية فان خروج ملايين الدولارات لاستيراد هذا النوع من الملابس يعد خسارة في العملات الصعبة ويحدث منافسة غير عادلة مع المنتج المحلي لان أسعارها في الأسواق لا تعادل 10% من تكلفة إنتاجها محليا ، وهو رأي يخالفه البعض عندما يقول إن توفير تلك الأنواع ينقذ البلاد من استيراد الأنواع الأصلية والجديدة التي تكلف مبالغ ضخمة في الاستيراد .
ويعكس التزايد باستيراد هذا النوع من الملابس إلى التناقض الذي يعيشه المجتمع العراقي ، ففي الوقت الذي يشهد شرائها إقبالا شديدا بسبب الفقر ومحدودية الإمكانيات كسبب رئيسي ، نجد إن بلدنا هو الأعلى باستيراده للسيارات خلال 2023 فمن أمريكا استوردنا بقيمة 229 مليون دولار، وأعلن الخبير الاقتصادي منار العبيدي ، إن العام الحالي هو الأعلى مقارنة بالسنوات الست الماضية من حيث استيراد السيارات وأضاف إن الارتفاع شهد أيضا زيادة في معدل قيمة السيارات والتي بلغ سعر الواحدة بحدود 15 ألف دولار ، كما يشهد البلد ارتفاعا ملحوظا في حجم استيراد المجوهرات الذهبية والفضية فخلال عشرة أعوام تم الاستيراد بأكثر من 9.4 مليار دولار ، وفي 2022 لوحدها بلغ حجم استيراد العراق من المجوهرات من تركيا 1.7 مليار دولار وتمثل نسبة 15% من مجمل استيراد العراق من تركيا والتي تبلغ 11.
7 مليار دولار، مما يستدعي السؤال هل فعلا نحتاج إلى هذا الكم الهائل من المجوهرات وهل إن شراء الذهب بهذا الحجم يعتبر استثمار أم نوع من الحماية أم هنالك أسباب أخرى تدفع للاستعانة بهذا القدر من الذهب ؟ ، وليس هذا هو السؤال الوحيد المطروح بخصوص الاستيراد ، فهل من المعقول إن يتم تبديد ما يحصل عليه البلد من ثروات في أللنكات والسيارات والذهب وغيرها من الحاجات ، ومتى نبني اقتصادا يعتمد على الناتج المحلي ؟ ، وهي أسئلة ملحة ومهمة فمن المعقول أن نستورد أي شيء إذا كان ذلك من عرق جبين الشعب وجهده من الإنتاج ، فاغلب ما نعيش فيه ومنه نستورده من إيرادات النفط التي لم نحسن استخدامها منذ عقود وسنوات ، والتنمية المستدامة وغيرها من المصطلحات في حسرات الأنفس وفي خانة الأمنيات ، ولم نشهد منها إلا النزر القليل لان غالبيتها في (السين ) و (السوف ) والوعود والتبريرات التي لم تصنع حاضرا متفائلا او مستقبلا ضامنا للأجيال ، فالسنوات تمر والإيرادات النفطية تتعاظم وقد تزول ونحن لا نزال بلد البالات واللنكات .