ورطة أمريكا
كتب / طالب سعدون
إطالة أمد الحرب وتجاوزها المئة يوم جعل امريكا في ورطة - كما هي اسرائيل - لا تستطيع الخروج منها.. وكلما طالت أكثر تضاعفت خسائر الاثنتين كثيراً وقد تصل إلى درجة يصعب تحمل نتائجها ومن ثمَّ لم يكن أمامهما غير الإقرار بالهزيمة وقبول وقف الحرب..
يبدو أنَّ إدارة بايدن وصلت الى هذه القناعة وأنّها تشعر بالإحباط من إطالة أمد الحرب على حد ما ذهبت اليه صحيفة يديعوت احرنوت الاسرائيلية لكي تحقق شيئا دبلوماسيا قبيل بدء السباق الانتخابي، وهو خلاف ما يريده نتنياهو الذي يصر على اطالة الحرب عله يحقق شيئا اصبح مستحيلا، وهو موضع خلاف مع الادارة الامريكية وان لم يظهر الى العلن..
فلم يستطع نتنياهو إعادة الأسرى ولا التخلص من حماس التي تزداد قوة يوما بعد آخر، ولا تهجير سكان غزة الذين يزدادون تمسكا بأرضهم بقوة وبسالة لم تعهدها (اسرائيل) من قبل في حروبها السابقة رغم التضحيات الكبيرة والابادة التي يمارسها جيش الاحتلال ضد الاطفال والنساء وكانت سبباً في تغيّر نظرة العالم وخاصة الشعوب الى القضية الفلسطينية والدعم لها على مستوى الشارع العالمي يومياً من خلال التظاهرات والتجمعات وملاحقة (اسرائيل) والشخصيات المسؤولة قانونياً على مستوى الهيئات الدوليّة المعنية كمحكمة العدل الدوليّة والمحاكم الجنائيّة على جرائم الابادة الجماعيّة ضد الشعب الفلسطيني.
الفشل الاسرائيلي أصبح واضحا للقاصي والداني سواء على مستوى الحرب التي تعد الأطول في تاريخ (اسرائيل) وتأثيرها على الداخل الاسرائيلي وآثارها النفسيّة على أجيالها المختلفة وعلى الهجرة اليها ومنها وسمعتها الدولية التي تزداد سوءاً يوماً بعد آخر..
لم يطابق البيدر الامريكي حسابات الحقل كما يقال.. فتوسع الحرب وان كان الى مستوى معين جعل امريكا في ورطة كبيرة اذ ربما تصورت انها ستكون حربا خاطفة على غرار الحروب السابقة فألقت بثقلها العسكري والسياسي الى جانب (اسرائيل).. فلم يحصل ان حضر رئيس امريكي بنفسه الى (تل ابيب) ليكون الى جانبها في حرب تعد الاخطر في ولايته، واجتماعه بمجلس الحرب الاسرائيلي، ليكون الى جانبها داعما وشريكا في هذه الابادة الجماعية لسكان غزة وتقديم الدعم المالي، وحضور هذا الحشد من قواته بقوة وكثرة وسرعة وتقديم الخبرة ومشاركة خبراء لدعم الجيش الاسرائيلي. إنَّ الفشل الاسرائيلي سيكون ثمنه باهظاً على بايدن كما هو على نتنياهو ونهايتهما السياسية وكل من دعم هذه الحرب المجنونة. وقد يكون هذا الفشل الاسرائيلي سبباً في دفع أمريكا الى الاعتماد على نفسها، وربما يزيد من قناعتها بعدم الانسحاب من المنطقة، بل ربما تزيد من قواتها ليس لحماية (اسرائيل) فقط بل مصالحها أيضا فلم تعد (اسرائيل) بعد هذا الفشل تصلح أن تكون القاعدة المتقدمة لامريكا في هذه المنطقة وربما تقوم بتوسيع تواجدها وتعزيز ما موجود من قواعدها.. وربما لم يكن هذا الاحتمال غائبا عن أحد في المنطقة ويعرفونه جيدا.
لقد جاءت الحرب على غزة بعد تطورات كثيرة في المنطقة ربما لم تكن بالحسبان مثل تحسّن العلاقات بين ايران والسعودية ومصر وتركيا، كما سيكون لغزة اثر على عملية التطبيع وستضعف ضغوط امريكا فيه، كما كان يحصل في المرات السابقة بعد أن أحرجت الإبادة الجماعيَّة المطبّعين خاصة بعد تطور الموقف الدولي على المستوى الرسمي والشعبي وتصاعد الأصوات الدوليَّة بضرورة إقامة الدولة الفلسطينيّة حتى داخل امريكا نفسها.. وهو ما لم يحصل بهذا المستوى سابقا.. فكيف للآخرين من العرب أن يقدموا على التطبيع ودماء الأطفال لم تجف بعد والأنقاض شاهد حي على حجم الدمار.
مهما كانت التضحيات كبيرة في هذه الحرب فإنّ غزة فتحت الطريق لاقامة الدولة الفلسطينية وستكون واحدة من نتائجها العظيمة وليس امام امريكا وحلفائها غير هذا الحل على حد ما يرى الكاتب توماس فريدمان في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز.
التاريخ يقول: إنّ عمر الاحتلال قصير مهما طال وستعود الأرض لأهلها مهما بلغت التضحيات واشتدت المعاناة، وسيحاسب المحتل على جرائمه في يوم ما لأنّها من النوع الذي لا يسقط بالتقادم.