الآعيب نتنياهو.. ونهايات أمريكية
كتب / دكتورة ميساء المصري
في المكر السياسي كل الصفقات السرية بين شريك قوي جدًا وشريك ضعيف جدًا، تنطوي بالضرورة على تنازلات مخفية في إحراج من قبل الأخير… وفي حرب غزة, نجد الصفقة المطروحة أمامنا تعكس شريكا محرجا كنتنياهو، ودهاءا أمريكيا.. فهل نصدقها؟
المكر المطروح يعكس مراوغات بنجامين نتنياهو برفض الدعوات المطالبة بالسيادة الفلسطينية بعد محادثات مع الرئيس الأمريكي بشأن مستقبل غزة، متعللا أن إحتياجات إسرائيل الأمنية لن تتوافق مع إقامة دولة فلسطينية. وعدم التنازل عن جميع الأراضي الواقعة غرب الأردن.
أما المكيدة فهي طرح واشنطن والغرب لمناقشات حول إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، والتفكير بعدد من أنواع حلول الدولتين. وأن رد نتنياهو بموت حل الدولتين يعني أن حكومة نتنياهو ليست شريكاً للسلام. وتحاول إدارة بايدن الآن التحضير لحكومة لما بعد نتنياهو, الذي يعنت ويرفض كل الطلبات الأمريكية في محاولات مستميتة للبقاء , ويجب أن يصبح ما بعد نتنياهو واقعا لتحقيق أهداف واشنطن في الإقليم . وقد أبلغت المخابرات الأمريكية نتنياهو بأن لا حل عسكري بشان حماس وعلى الكيان الإعتراف بذلك. وإصرار البيت الأبيض على البحث عن إستراتيجية خروج من الحرب بين الكيان وحماس.
السؤال الذي يطرح شرعيا وبقوة هل ماتت فكرة حل الدولتين؟ ام إنها الفكرة الوحيدة القادرة على إنقاذ إسرائيل. ولماذا يستغرب الغرب رفض نتنياهو لحل الدولتين ؟ فما فائدة هذا التصريح الآن، وفي هذه النقطة من الصراع؟
ومن إجابة السؤال انطلق من مقولة هنري كيسنجر في عبارته الشهيرة إن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط. وكان هذا مثالا كلاسيكيا على المنافسات الداخلية التي تعيق صنع السلام. فلم يوافق أي رئيس صهيوني على إقامة دولة فلسطينية من مبدأ حل الدولتين سوى يهود اولمرت الذي تم إتهامه بالفساد وأقيل.
إن فكرة حل الدولتين تم اقتراحها لأول مرة في عام 1937، في أعقاب اندلاع الثورة العربية, ورفضها العرب، وإختفى حل الدولتين من الأجندة الدولية. ثم عاد من جديد في عام1988، ليطرح حل الدولتين للنزاع بين الشعبين ورفضه إسحق شامير بقوة. على عكس إسحاق رابين الذي إغتيل على يد متعصب يهودي في محاولة ناجحة للغاية لعرقلة سلام أوسلو. و كل ما نعرفه حقيقة هو أن رابين، حتى يوم وفاته، لم يوافق قط على إقامة دولة فلسطينية كاملة إلى جانب إسرائيل. وأقصى ما كان على استعداد للتنازل عنه، وعلى مضض، هو ما أسماه دولة ناقصة. أما شمعون بيريز ففاوض على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
ونتنياهو نفسه رفض الفكرة في أكثر من مناسبة فهو بطبعه رافض للدبلوماسية ومدمن للعنف. بل إنه يتفاخر خلال السنوات التي قضاها في السلطة، لم تكن له مفاوضات سلام من أي نوع مع الفلسطينيين, والمرة الوحيدة التي لمح فيها لقبول دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب الدولة اليهودية. كانت بضغوط شديدة من إدارة حكومة باراك أوباما في خطاب بار إيلانعام 2009 الذي اعتبره لاغٍ وباطل وبعد شهر من خطابه، قال بنزيون نتنياهو، والده الثمانيني، أن بنيامين لا يؤيد قيام دولة فلسطينية، إلا بشروط لن يقبلها العرب أبداً. . فالسيرة السياسية لنتنياهو برمتها هي صراع ضد إقامة دولة فلسطينية.
بمعنى آخر، من المكر السياسي أن نتنياهو بينما كان يتظاهر بالتفاوض على تقسيم الكعكة، كان يستمر في أكلها.
لقد عملت كل من واشنطن ولندن لفترة طويلة على حماية إسرائيل من الضغوط الدولية بتكرار حل الدولتين عن طريق التفاوض وهي الآن خطة قابلة للتنفيذ لإنهاء أزمة حرب غزة وهزيمة الكيان وكيفية إجبار إسرائيل، على إنهاء الحرب….فهل يضطر نتنياهو إلى التنفيذ مقابل الحماية القانونية؟
في السنوات الأخيرة، أصبح من المألوف للجميع القول بأن حل الدولتين قد مات. إذ إن هذا الحل تجاوز الأحداث خلال حرب غزة, وتضافرت أسباب عديدة مختلفة لجعل هذا الحل نقف أمامه مطولا . نريد فلسطين دولة قابلة للحياة ومتصلة الأراضي. فهل هنالك إمكانية ؟ فلم تكن أي حكومة إسرائيلية منذ عام 1967، مستعدة لقبول دولة فلسطينية مستقلة على كامل قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية.
إن حقيقة أن الكيان أصبح دولة مكروهة وعنصرية ومجرمة حرب بكل مكوناتها من حكومة وجيش ومستوطنين أمر لا شك فيه الآن. إن الداعمين الغربيين الرئيسيين للكيان، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يدركون أن ذلك هو الواقع على الأرض , وأن هذا الواقع لا يتوافق مع حل الدولتين بأي معنى للكلمة . فلماذا يستمرون إذن في ترديد دعمهم لحل الدولتين في كل فرصة؟
الجواب هو أنهم يخشون الإعتراف بأن أصل المشكلة هو الكيان العنصري والإجرامي والإستعماري والحكم الصهيوني على الأراضي الفلسطينية. إن الصدع المفتوح مع الكيان سيكون مكلفاً للقوى الغربية من الناحية السياسية. وهم يدركون تمام الإدراك أن إسرائيل لن تصلح أساليبها ما لم يتم فرض العقوبات عليها، ولكنهم غير راغبين على فرضها. وفي غضون ذلك, فمن المناسب لهم الإستمرار في التظاهر بأنه دولة ديمقراطية وأن صراعها مع الفلسطينيين لا يمكن حله إلا من خلال المفاوضات المباشرة.
نعلم أن الغرب متواطئ في جرائم الكيان المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وإن هذا قد يهدد بمزيد من الإحتلال الذي تزيد معدلاته، ما يعني وجوب تكاتف الفلسطينيون برؤية جديدة واحدة وتحقيقها , وإلا فأن الذي سيحل محل حل الدولتين حل صهيوني من الحكم الذاتي، والتهجير، وتغيير ما تبقى من الخريطة الفلسطينية الآهلة بالسكان في الضفة والقطاع , أو إقامة دويلة بغزة بعد توسيعها جغرافيا، أو تطبيق خطط على حساب دول الجوار أو منطقة عازلة إو جزيرة مصطنعة وهي كلها مرفوضة فلسطينيا بمختلف أبعادها قولا وفعلا.