بعد مضي عام كامل ، ما الذي جناه المواطن من تغيير سعر صرف الدولار ؟!
كتب / د.باسل عباس خضير …
في مثل هذا اليوم ( 7 شباط ) ، وقبل عام كامل بالتمام والكمال صادق مجلس الوزراء في يوم الثلاثاء 7 شباط 2023، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي العراقي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار بجعله 1300 دينار للدولار الواحد ، وبحسب بيان رسمي فان الأسعار التي يجب نفاذها اعتبارا من يوم الأربعاء 8 شباط 2023 :
1300 دينار لكل دولار سعر شراء الدولار من وزارة المالية
1310 دينار لكل دولار سعر بيع الدولار إلى المصارف من خلال المنصة الإلكترونية
1320 دينار لكل دولار سعر بيع الدولار للمستفيد النهائي ( أفراد وشركات )
وقد صدر هذا القرار بعد تشكيل حكومة السيد محمد شياع السوداني والهدف منه إزالة الآثار السلبية التي لحقت بمصلحة المواطن بعد أن تبنت حكومة السيد مصطفى ألكاظمي ( الورقة البيضاء ) التي كانت من ضمن فقراتها تغيير سعر الصرف من 1118 إلى 1470 دينارا مقابل الدولار ، واعتبر الكثير بان استمراره ( تعسفي ) لأنه يحدث ضررا كبيرا بمعظم المواطنين كونه أدى لإضعاف القدرات الشرائية في بلد ريعي تعتمد نسبة كبيرة من سكانه على المرتبات الحكومية شبه الثابتة ، وبسبب العمل به والجشع الذي رافقه ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير وصلت لأكثر من 25% عن مستوياتها السابقة ، كما أعلنت العديد من الجهات السياسية وغير السياسية إن المضي بأسعار 1470 فقدت مبرراتها بعد الارتفاع في أسعار النفط في الأسواق العالمية وزيادة حجم الاحتياطيات الحكومية من الذهب والعملات ، ورغم إن غالبية العراقيين كانوا يتمنون إعادة الدولار لأسعاره السابقة ( 1200 دولار لكل دولار) ، إلا أنهم استبشروا خيرا بقرار التعديل ( الجديد ) بعد أن تمت طمأنتهم بان هذا الإجراء يعد خطوة أولية ربما تتبعها قرارات لاحقة و إن الشعب سيلمس تأثيرات ايجابية على الاقتصاد الوطني عند تطبيق البرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب .
و بعد العمل بالسعر الجديد وبدلا من ظهور نتائج ايجابية للمواطن من تغيير أسعار الصرف ، فان الأسواق شهدت حالة من عدم الاستقرار بأسعار الدولار حيث أخذت بالارتفاع التدريجي لمستويات غير مسبوقة ، فبدلا أن تكون 1320 دينار لكل دولار إلا أنها تحولت إلى 1460 وتقترب أحيانا من 1500 دينار ، ثم أخذت ترتفع مرة أخرى لتلامس حاجز 1600 دينار وفي بعض الأيام وصلت إلى 1690 دينار ، وقد تمت كل هذه التغيرات في الأسعار رغم زيادة كمية بيع الدولار من قبل البنك المركزي لتتجاوز المليار أسبوعيا والحرص الذي تبديه الجهات المالية والحكومية في المحافظة على أسعار الصرف الرسمية ، فالحكومة اتخذت إجراءات بإعفاء محافظ البنك المركزي وتعيين بديل عنه ونقل نائبه إلى لمنصب آخر ، كما أصدرت الحكومة تعليمات مشددة للجهات الرقابية و الأمنية المختصة لمراقبة الأسعار والحؤول دون ارتفاعها وفرض الغرامات والغلق وإحالة المخالفين إلى القضاء ، ورافق ذلك إحكام الرقابة على شركات ومكاتب الصيرفة لمنعها من التعامل خارج أسعار الصرف المحددة ، فضلا عن متابعة المنافذ الحدودية بأنواعها لمنع تهريب الدولار ، ومن جانبه اتخذ البنك المركزي حزمة من الإجراءات بفتح منافذ ومنصات لعدد من الفئات وتلتها حزم أخرى للسيطرة على أسعار الصرف ، ولم تنقطع تلك الإجراءات يوما منذ عام ولكن واقع حال أسعار الصرف اليوم ( 7شباط 2024 ) في الأسواق تراوحت بين 152.250 - 153.000 دينار لكل 100 دولار للبيع مقابل أسعار شراء تتراوح بين 151.000 - 152.000 دينار في شركات الصرافة الرئيسية ومكاتبها بمناطق بغداد .
ورغم إن وزارة التخطيط تصدر شهريا بيانات بمعدل التضخم في الأسعار فيها نوع من الاطمئنان ، ومنها ما قاله المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي انه "تم تسجيل ارتفاع طفيف في معدل التضخم الشهري خلال شهر تشرين الأول 2023 بنسبة (0.1 %)بالمقارنة مع شهر آب الذي سبقه" ، و إن "التضخم السنوي ارتفع بنسبة (4.1 %) لا غير " ، إلا إن الكثير من المواطنين يشعرون بان هناك غلو في الأسعار وأعباء ثقيلة في تحمل نفقات المعيشة سيما فئات الموظفين والمتقاعدين الذين لم تشملهم زيادات في مرتباتهم تتناسب مع معدلات التضخم والغلاء للإيفاء بمتطلبات المعيشة ، والحكومة على بصيرة بهذا الشعور لدرجة إنها أصدرت قرارات بمنح مخصصات المعيشة لشرائح المجتمع ضعيفة الدخل ( الموظفون بالدرجات الدنيا ، المتقاعدون الذين تقل رواتبهم عن مليون دينار ، العمال المتقاعدون ، المشمولون بالحماية الاجتماعية ) ، و يعرف الكثير بان الحكومة غير قادرة على المضي أكثر بزيادة المرتبات نظرا لتكلفتها العالية في وقت تعاني فيه الموازنة الاتحادية عجز كبير في ظل الأسعار المرتفعة للنفط والتي قد تنخفض في حين ، وبحسب البيانات والتصريحات الرسمية فإن أسباب الازمات في أسعار الصرف تعود لأخطاء متراكمة لم تعالجها الحكومات السابقة ، كما إن من دوافعها المهمة الضغوطات التي تمارسها وزارة الخزانة الأمريكية التي تقول إنها تتابع حركة الدولار وان نسبة من إيرادات البلد تذهب لجهات تسري عليها عقوبات اقتصادية في مجال التحويل بالدولار والضغوطات اتخذت أشكال كالتحكم بتدفق الدولار وإخضاع مصارف للعقوبات .
إن الخوض في تفاصيل وتشعب هذا الموضوع وتبريرات الحكومة والبنك المركزي عديدة ولا يمكن إيجازها بسطور ، ولكن لسان حال العديد من المواطنين يقولون ما الذي تمت الاستفادة منه من تغيير أسعار الصرف ، فالمواطن ( الفرد ) كان بإمكانه الحصول على الدولار ب 1470 دينار بيسر من شركات ومكاتب الصيرفة واليوم السعر السائد هو 1530 دينار ، كما إن أسعار السلع أخذت بالارتفاع ليس بنسبة 4% كما تقول التخطيط وإنما بأضعاف أسعارها ومنها مثلا العقارات التي قفزت أسعارها بشكل مريب ، وفي الوقت الذي يعترف به البعض بان هناك محاولات وجهود تبذلها الحكومة للسيطرة على أسعار الصرف فإنهم لم يلمسوا آثارها بعد والأثر الحقيقي أن يكون الدولار في الأسواق ب1320 دينار ، ولان ذلك لم يتحقق فان الخسارة من تغيير أسعار الصرف وسيطرة الأسعار في الأسواق الموازية ( السوداء ) أوقعت وتوقع الضرر على عدة أطراف ، أولها المواطن من حيث ارتفاع الأسعار مما يشعره بالقلق والضعف ، وثانيها الموازنة الاتحادية التي تخسر من إيراداتها التريليونات فهناك خسارة بنسبة 11% نتجت عن بيع الدولار ب1300 بدلا من بيعه كالسابق ب1450 ، وثالثها الحكومة لأنها تضطر لشراء المستلزمات السلعية والخدمية وغيرها من المتطلبات من الأسواق المحلية بسعر الدولار السائد وهي مشتريات كبيرة وتبلغ نسبة الخسارة بها 12% عند المقارنة بسعر الدولار الرسمي والأسود ، ورابعها القطاع الخاص والمختلط بكل أشكالهم ممن يحتاجون للشراء من الأسواق المحلية بالأسعار السائدة مما يزيد الكلف على المنتجات وينعكس ذلك على الأسعار ، وخامسها شركات ومكاتب الصيرفة التي تشكو من الرقابة ( المفرطة ) على نشاطاتها وتردد براءتها مما يحصل من ارتفاعات ، والسؤال الذي لم يجد إجابات شافية وكافية رغم كل ما أعلنت من إجراءات ، من هو المستفيد من هذه الفروقات في الأسعار التي تبلغ مليارات الدولارات وأين تذهب ما ينتج عن ذلك من تريليونات الدنانير ؟ ، وصحيح إن الفدرالي الأمريكي والخزانة يلعبون أدوارا خبيثة ضد الحكومة والشعب معا ، ولكن أما آن الأوان لتحديد المستفيد من شراء الدولار بالسعر الرسمي ويبيع في الأسواق بالسعر السائد ، وهل عجزت الدولة بمؤسساتها المختلفة التي تنمو بشكل جيد في الإمكانيات من إيجاد حلول لهدر الأموال من الموازنة والمواطن والاقتصاد ؟ ، ولماذا انعدام الحلول الجذرية لكي يظهر الأثر بانخفاض أسعار الصرف ؟ ، فقد مضى عاما كاملا على تغيير سعر الصرف وكنا نأمل لان نفرح بمروره اليوم ، لكن المواطن يشعر بأنه يخسر ولم يستفيد بمقدار سنت او دينار من هذا التغيير رغم ما يسمعه من وعود وتطمين ؟! .
.