9/4 /2003 فضائح ووحشية وهمجية الاحتلال الامريكي للعراق
كتب / أ.د. جاسم يونس الحريري
في اكثر من تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” Human Rights Watch وهي منظمة دولية غير حكومية تعني ب«مراقبة حقوق الإنسان»، والدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها ، مقرها مدينة نيويورك.حيث تشير في تقاريرها الدورية بحالة العراق انه فقد حوالي نصف مليون شخص حياتهم، وخسر ملايين الآخرين منازلهم، وعانى عدد لا يُحصى من المدنيين من انتهاكات من قبل جميع أطراف النزاع.
وألقت قوات الاحتلال ، بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة، آلاف الذخائر العنقودية العشوائية على مناطق مأهولة بالسكان، وشنّت غارات جوية عشوائية قتلت مدنيين.وعرّضت أيضا القوات الأمريكية الغازية المحتجزين في “أبو غريب” ومواقع الاحتجاز الأخرى إلى التعذيب، بما في ذلك الانتهاكات الجنسيّة والإذلال، وقتلت متظاهرين ظلما، وجنّدت متعاقدين عسكريّين قتلوا وأصابوا عشرات المدنيين.وتورّطت القوات البريطانية هي الأخرى في انتهاكات بحق مئات المحتجزين العراقيين، مثل التعذيب والقتل غير القانوني. ويؤكد مركز ”مالكوم كير-كارنيغي للشرق الاوسط” ومقره في العاصمة اللبنانية “بيروت” وهو فرع أقليمي لمركز “كارنيغي للسلام الدولي” ومقره العاصمة الامريكية واشنطن دي سي أن الحرب استنزفت موارد العراق، وأغرقته في أزمة، وأدّت إلى نقص في موارد الطاقة، وإلى فساد غير مسبوق في أجهزة الدولة كافة. وأسفرت التوترات الطائفية التي أجّجتها الحرب بين المسلمين السنة والشيعة إلى زيادة الانقسام السياسي والعنف، وأصبحت الهجمات الإرهابية أمرًا شائعًا. علاوةً على ذلك، ولّد انهيار الدولة في العراق فراغًا في السلطة، سمح للجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة الارهابي بالظهور والسيطرة على الأرض.
ونتج عن الحرب قُتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي على مدى السنوات العشرين الماضية.وفي ذروة الصراع عام 2006 أودى الصراع بحياة 29027 شخصا.وفي أهدأ حالاته عام 2022 سجلت 740 حالة وفاة. وخلال هذه الفترة تعرضت فئات من العراقيين للإبادة الجماعية والإرهاب والفقر والتشريد. وعندما أعلن الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” انتهاء الحرب رسميا في العراق وسحب جنود بلاده عام 2011 كان العراق بلدا يعاني من صدمة عميقة سياسية واجتماعية واقتصادية. وكلفت “عملية حرية العراق” خلال سنوات الغزو وما بعدها أكثر من تريليوني دولار أمريكي. وسجلت هذه الفترة فضائح كثيرة منها القتل بدم بارد لمواطنين عراقيين على يد جنود بريطانيين وعمليات تعذيب وإهانة لسجناء عراقيين في سجن أبو غريب على يد جنود أمريكيين.
وبعد مرور سنوات، أدرك الرأي العام الدولي أن تلك الحرب كانت خطأ جسيما. ومن هؤلاء “جون ماكين”، السيناتور الجمهوري الراحل، الذي كان من أشد المدافعين عن تحرير العراق لسنوات. وفي مذكراته التي نشرها قبل وفاته عام 2018 تراجع ماكين عن موقفه وكتب قائلا: “لا يمكن الحكم على تلك الحرب، بتكلفتها العسكرية والانسانية، سوى أنها خطأ… خطأ خطير للغاية، وعلي أن أتحمل نصيبي من اللوم على ذلك “.
وكانت سيطرة تنظيم داعش الارهابي على نحو ثلث مساحة العراق في صيف عام 2014 وحتى أواخر العام 2017 صدمة كبيرة للنسيج الاجتماعي في البلاد، أسفرت عن تغيير عميق في المجتمع العراقي الذي يميزه تنوع عرقي ومذهبي فريد. وتراجعت أعداد المسيحيين والايزيديين في البلاد بسبب تعرضهم لجرائم إبادة جماعية ارتكبتها عناصر تنظيم داعش الارهابي .وبنهاية عام 2019، كانت مظاهر الفساد قد استشرت في مفاصل الدولة وانتشر الفقر بين فئات واسعة من السكان، وارتفع معدله من 20٪ عام 2018 إلى أكثر من 30٪ عام 2020.
وأضحى 12 مليون عراقي من أصل 42 مليونا يعيشون تحت خط الفقر، فيما بلغ معدل البطالة في فئة الشباب 25٪ في بلد تقل أعمار 60٪ من سكانه عن 25 عاما. ورغم احتياطاته النفطية الهائلة لا تزال البنى التحتية العراقية، من طرق وجسور ومنشآت، متهالكة. ويعاني العراقيون من انقطاع يومي في التيار الكهربائي وغياب شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب. وأكد رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” على نيته في معالجة الفساد الذي تغلغل الى أغلب مؤسساته بعد أن أصبح العراق في المرتبة 157 من بين 180 دولة من أكثر الدول فسادا في العالم، ووفقاً لمنظمة “الشفافية” الدولية.
ورغم هذا الفساد الهائل وتداعيات الأزمة السياسية التي بدأت عام 2019 يرى البعض أن العراق اليوم أفضل حالا مما كان عليه قبل 20 عاما. فقد تحسنت نوعية الحياة نسبيا وارتفعت معدلات معرفة القراءة والكتابة ومتوسط العمر المتوقع. وطبقا لتقديرات “البنك الدولي” بلغ الناتج المحلي الإجمالي للعراق عام 2021 ما يقرب 208 مليار دولار. ورغم حركات التنظيمات التكفيرية أجرى العراق ستة انتخابات برلمانية متتالية منذ عام 2005. وقام ممثلوه بصياغة الدستور وصدق العراقيون عليه.
ورغم الفساد الذي يشوب النظام السياسي العراقي ظلت الانتخابات “تنافسية”.
وبرغم كل العقبات يرى البعض أن العراق أحرز تقدما منذ سقوط نظام صدام حسين. لكن الفساد سيظل يشكل التحدي الأكبر للدولة العراقية اليوم. ويأمل العراقيون في أن تتمكن دولتهم التي خاضت بنجاح نسبي حربين ضد تنظيمين إرهابيين – القاعدة وداعش- ، ستتمكن يوما ما من قطع دابر الفساد المالي في دواليب الحكم قبل نفاد صبر العراقيين من مسؤوليهم.