ليلة احتراق المليار دولار.. صواريخ النصرة التي تعانق الأرض المباركة !
كتب / خالد شــحام
فجر الأحد الماضي سهر العالم بأكمله على وقع المشاهد الصاعقة للصواريخ الإيرانية الإسلامية التي تساقطت على فلسطين المحتلة ، ملايين من شعوب العرب كانت تقف في الليل من شرفة ما تراقب هذه البارقات وقلوبها تخفق شوقا وكرامة، عليكم أن تتذكروا جيدا هذه الليلة وهذه المشاهد لأنها هي ذاتها المشاهد الحتمية النهائية القادمة للكيان المجرم ومجتمع المجرمين الذي يقيم فيه، لكم أن تتوقعوا الصورة القادمة للمعركة القادمة وخطوط النار اللاهثة تزأر في سماء فلسطين بالآلآف من كل حدب وصوب.
كيف يمكن أن ننظر ونقيم العملية الإيرانية وما هي النقاط التي يتوجب وضعها في الميزان في ظل العدوان الإجرامي المستمر على غزة ورؤيتنا لهذا الصراع المفتوح الآفاق؟
إن النقطة الأولى التي يجب فهمها جيدا تتمثل في أن صراع ايران مع دويلة الكيان لم يتوقف أبدا وليست ايران بحاجة إلى عملية كهذه كي تؤكد حقيقة هذا الصراع الظاهر والباطن، إن كامل محور المقاومة طيلة العقود السابقة يستمد جذوره من الروح الإيرانية المعادية للمشروع الصهيوني -الأمريكي .
إن حرص ايران على إطلاق النيران من أراضيها يعلن لمحور الشيطان بأنها جاهزة ومستعدة وتمتلك ثنائية العقيدة والأدوات الصحيحة للمواجهة دون الإستعانة بأحد .
إن الصواريخ والمسيرات التي تم الدفع بها في الهجوم الإيراني هي صناعة إيرانية بحتة من الوقود والهيكل وحتى التقنيات الموجهة وليست موردة من الصين او روسيا أو الغرب ، إنها ميزة استراتيجية ومصيرية وعنصر يقرر من هي الدولة العظمى أو الصغرى ، لقد اجتهدت قيادة الثورة الاسلامية في ايران طيلة سنوات صعبة من الحصار والمضايقات والمناكفة لإجهاض نهضتها الصناعية والعلمية واغتيل العديد من علمائها في سبيل إيقاف مسيرتها ولكنها مع ذلك استمرت حتى بلغت مستوى النضج الذي يؤهلها لأية مواجهة مفتوحة مع الكيان أو الغرب.
لقد كان قصف القنصلية الإيرانية في دمشق بمثابة عملية قياس كمي لحجم الاستعداد المعنوي الإيراني وليس العسكري للدخول في مواجهة في حال تم الدفع بعصابة الكيان لتوسيع رقعة الصراع ، هذا القياس لم يكن إلا إقتراحا أمريكيا مهما بدا غير ذلك.
كما هي مجريات اللعب الإعلامي المعنوي يسارع الكيان في الإعلان بأن خسائره لا تذكر وحجم الأضرار يدخل في منزلة المزاح ، لكن يجب أن نحصر الضرر الأكيد بهذه النقاط الفرعية :
تزداد قناعة كل محتل ومستوطن داخل فلسطين مرة تلو المرة بأن هذه الدولة عبارة عن فخ مميت مزين بالحداثة والمدنية والرفاه ولكنها مهددة ومكروهة من كل محيطها ويمكن بين لحظة وضحاها أن ينقلب فيها النعيم إلى جحيم ، والشقق الباذخة إلى ملاجىء ، والأمان إلى تذلل وانبطاح ويمكن أن تنقلب الحياة المدنية إلى استدعاء للخدمة العسكرية والترشح للموت على يد المقاومة الفلسطينية او اللبنانية او اليمنية أو العراقية أو بضربات ايرانية ، أية معيشة هذه ؟ وأية دولة هذه ؟
ذكرت وسائط الإعلام بان كلفة اعتراض المقذوفات الإيرانية بلغت خلال بضع ساعات ما يقارب المليار دولار تم حرقها في الجو في لحظات ! ولو افترضنا أن نصف هذا الرقم صحيح فماذا يعني هذا الرقم عسكريا واقتصاديا وسياسيا ؟ ما هي نوعية الشيء الذي يمكن حمايته بهذه الكلفة وكيف يمكن التعامل مع هذه الأرقام لو استمرت الهجمات أسبوعا أو شهرا مثلا ؟ ما كلفة بقاء هذا الكيان على قيد الحياة ومن يدفعها ومن يمكنه تقليل هذا النوع من الضرر المرعب ؟
عندما تقود سيارتك بسرعة 100كم/ساعة مثلا فهذا يعني فيزيائيا بأنك تقطع ما يقارب 28 متر خلال ثانية واحدة ، وبالمقارنة يبلغ معدل سرعة الصواريخ الحربية عدة كيلومترات في الثانية الواحدة ، كمثال تبلغ سرعة صاروخ سجيل الايراني المستخدم في القصف ما يقارب 4 كيلومتر يقطعها في الثانية الواحدة وصاروخ خيبر يقطع 2.8 كيلومتر في الثانية الواحدة ، لإصطياد مثل هذا الجسم بالغ السرعة في طبقات الجو العليا يتوجب رميه بجسم أسرع وبالغ الدقة في التوجيه خلال الحركة في الغلاف الجوي ، وهذه هي فكرة القبة الحديدية والتي تمثل حيلة تقنية رأسمالية كاذبة محدودة الكفاءة سبق لصواريخ المقاومة الفلسطينية ان كشفت عيوبها ، مثل هذه المنظومات تتمتع بهامش دقة مع الصواريخ البطيئة نسبيا وذات الحجم الكبير ولكنها تخفق تماما في ظل رشقات صاروخية كثيفة أو عالية السرعة ، من المستحيل أن تكون قوى الباطل قد نجحت في اسقاط كل ما اطلقته ايران ، ومن ناحية ثانية فإن حمولة رأس الصاروخ الواحد تبلغ على الأقل 750 كغم من المتفجرات وهذه الكمية كافية لإسقاط عمارة كاملة .
ما الذي يدفع ببلد مثل ايران لكي تتحول إلى بلد مسلح صاروخيا او نوويا ؟. ما الذي دفع بكوريا الشمالية إلى فعل نفس الشيء ؟ أليس هو العدوان الأمريكي والفظائع التي ارتكبت بحق هذه الدول على مدى عقود كاملة ؟ ما الذي كان سيكون مصير ايران اليوم لو لم يكن لديها هذا المستوى من القيادة وهذا التسلح ؟ ألن تتحول إلى جمهورية موز اخرى مستعبدة في مستعمرات الامبراطورية الأمريكية المستكبرة على كل شعوب الأرض ؟
ضمن التشخيص السياسي الصحيح للعقلية الانتحارية الانتهازية للمجرم نتانياهو يمكن الافتراض بأن شهية فتح الجبهة الإيرانية هي شيء جذاب ومغرٍ وقادر على تجديد البيعة لهذا المجرم خاصة بعد دخول حملته على غزة موسم البرودة القطبية وبدء تفكك التحالفات التي تنصلت من دمويته وإجرامه وتهور غبائه ، هنالك استثماران مبيتان يمكن لعصابة الكيان من خلالهما اعادة انتاج مكاسب خلفية من الهجوم الإيراني ، الأول هو الإلهاء وتخفيف الضغوط حيال جريمة غزة ، الثاني هو إعادة تشكيل الحلف المضمر ضد ايران أو ضد (مكافحة الإرهاب ) والذي هو في الأصل غربي صهيوني .
تتجلى ذروة الضياع العربي في تقييم ما فعلته ايران ليتحول إلى وجبة معتادة من الجدل البيزنطي العقيم حول مع أو ضد ، مسرحية أو إلهاء ، هزل أم جد ، شيعة أم سنة ، في الوقت الذي يأكل فيه الجراد الاسرائيلي حقول القمح العربية ويغشى الذباب عيون الأنظمة والشعوب التي أدمنت الهزيمة وابتلعت الحقوق المشروعة لممارسة العبودية الطوعية ، ينسى كل هؤلاء بأن ايران تقبع في دائرة الحصار والنار منذ 1979 وينسو بأن حياتهم ومستقبلهم ومصيرهم دخل نفقا مظلما منذ اللحظة التي أستهدفت فيها ايران .
9-في الوقت المستقطع من دورة الصراع بين الباطل والحق يغرق الملايين من هذا العالم ومن شعوب العرب والمسلمين خاصة في غياهب التيه والضلال المصطنع أو المنتج في بلدان الهزيمة ، ينسى كل هؤلاء بأن المسألة ليست ايران او لبنان أو المقاومة الفلسطينية او اسرائيل أو امريكيا وبريطانيا وفرنسا ، إنها سنة أو قانون كوني حتمي يحدث فيه الصراع والإصطدام بين عقيدتين أو حلفين ، حلف الشيطان التاريخي الذي يتجدد كل دورة من الزمان وتمثله الولايات المتحدة وعصابتها متعددة اللغات ، وحلف الإحسان أو وراثة الأرض والبقاء الصالح ، حلف التوحيد ضد حلف الشرك ، إنها نفس المعركة الايمانية القديمة تتجدد كل دورة مهما حاولنا تدويرها سياسيا أو اقتصاديا أو علمانيا ومن يتنكر لذلك فهو لا يفقه شيئا ، كل من يقف في وجه حلف الشيطان الذي يدعو إلى النار والمثلية والربا والانحلال والاعتداء والاغتصاب والسرقة والقتل هو بالتأكيد يقف في الحلف الصحيح ويدعو إلى ما يناقض أفعال الأول ، إن ما يحدث في فلسطين هو امر إلهي وتدبير من رب حكيم لا مبدل لكلماته ، نبؤات سورة الإسراء تتحقق ونحن في العشر الأواخر من رمضان هذا الكون ولا يفوز فيها إلا المؤمنون والمثابرون .
10-إن المعركة الكبرى قادمة لا ريب فيها ، أيام الشدة القصوى تتحضر وجيوش الشر تتكثف وتتكشف في الأرض العليا ، يكفي ان نسمع الرئاسة الامريكية وهي تعلن بأننا نقف مع اسرائيل بالمطلق لكي نفهم بأن هذا العالم لا عدالة فيه ومع أي جانب يجب أن نصطف ، ليست ايران هي المعنية بهذه المواجهة فقط ، بل كل بشري يعيش على سطح هذه الأرض ، الصلاة في فلسطين تعدل خمسمائة صلاة في أي مكان ، والصواريخ التي تساقطت على الأرض المباركة هي أيضا صواريخ مباركة الواحد منها بألف صاروخ مما تعدون ، هذه الصواريخ تمثلني وتمثلكم وتمثل كل إنسان حر مستضعف ولذلك لاتستغربوا أن شعب فلسطين وكل شعوب العرب الحرة تحب ايران وتقف مع نهج الحق ضد الباطل ، إن إجابة مصير هذا الصراع لمن هو في الحيرة و التيه واضحة لا لبس فيها نراها بعين اليقين ونعلم تماما ما هي النهاية القادمة ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ).