أين هي الجامعات العربية من الانتفاضات الحالية؟
كتب / وجيدة حافي
أهم وأكبر جامعات أمريكا تنتفض وترفض ما يحدث في فلسطين من قتل مُمنهج ومقصود ضد أبرياء بحجة مُحاربة الإٍرهاب و القضاء على حماس، فالطلبة والأساتذة هناك قالوا كلمتهم باحتجاجات داخل الحرم الجامعي مُطالبين بوقف هذه المجازر وقطع العلاقات التجارية والأكاديمية لجامعاتهم مع إسرائيل حتى تتوقف عن ما تقوم به وتجنح للسلم والسلام، موقف كبير وشُجاع من أبناء الضفة الأخرى الذين برهنوا مرة أُخرى على قُدرتهم على تغيير المُعادلة والواقع المُعاش، و خُطوة إيجابية وسلمية تدل على الوعي والثقافة التي يتمتع بها جيل الغد الرافض لكل أنواع الحروب، وفُرصة لطُلابنا وأساتذتنا العرب في مُختلف الجامعات العربية للتحرر من عباءة الحاكم وأوامره، ونحن هنا لا ندعوا للتمرد والعصيان، وإنما لاتخاذ موقف مُشرف يليق بهؤلاء الذين يُسمون بالنُخبة والفئة المُثقفة الواعية بمصير أمتها، لكن للأسف هؤلاء لا يختلفون عن بقية المُواطنين، فتراهم مُنغمسين في حل مشاكلهم والمُطالبة برفع الأجور وتوفير السكن اللائق، والمُنافسة الشرسة بينهم في التربصات وغيرها من الأشياء التي ألهتم وجعلتهم في دائرة مُغلقة لا يستطيعون الخروج منها بسهولة، مثلهم مثل طُلابهم المُركزين على النجاح للظفر بمنصب عمل حتى يُجابهوا مشقات الحياة، ضف إلى ذلك ضُعف حُكامهم وذُلهم دفعهم لرفع الراية البيضاء والاستسلام، ونحن هنا لا نلومهم بقدر ما نلوم من يحكمونهم المُطبعين بطريقة وأُخرى، والكابتين على حُرية التعبير عندهم، فحرية التعبير والصحافة في أوطاننا العربية مُجرد شعارات يتغنى بها الحُكام ليُلمعوا صورتهم أمام الآخر الذي هو كذلك لا يختلف عنهم كثيرا في استبداده وديمقراطيته الزائفة، وما إحتجاجات الجامعات الأمريكية إلا دليل قاطع على الديكتاتورية المُبطنة والديمقراطية الظاهرة، فلو كانت المُظاهرات في العالم الثالث، روسيا أو الصين، وتم التعامل معها بنفس طريقة الشُرطة الأمريكية العنيفة والغير مُتحضرة، لتحركت راعية السلام والديمقراطية وإستحضرت كل القيم والمثاليات للدفاع عن حرية التعبير والقيم الغائبة تماما في المشهد الأمريكي، فحتى تصريحات “بايدن” تدل على الإنحياز التام لإسرائيل ولو كان ذلك ضد مصلحة بلده.
فالمُظاهرات بمثابة صرخة في وجه النظام العالمي الفاسد الداعم لإسرائيل، جاءت في الوقت المُناسب لتفضح نفاق الغرب المُتملق المُتباهي بالديمقراطية الزائفة، انطلقت من جامعة كولومبيا التي ترأسها ” السيدة “نعمت شفيق” ذات الأصول المصرية والتي كانت البوابة المُوصلة صوت غزة للمُجتمع الأمريكي المُنتفض طُلابه ضد كل أنواع العُنف والقتل، والمُتهم بمُعاداة السامية ودعم الإرهاب، تُهم لم تنجح في لجم الحراك هذه المرة كما تعودت إسرائيل من سبعين سنة، مما أدى إلى ذُعرها ودفع بيبي كما يُلقب للتدخل في الشؤون الأمريكية وتوجيه الأمر بقمع حركة الطُلاب بأسرع وقت مُمكن، مما خلق نوعا من اللارضى في أوساط الصحفيين والمُثقفين الأمريكيين الذين إعتبروه إهانة في حقهم، فنتنياهو يعرف أن هذه الثورة الطُلابية لن تتوقف حتى الإطاحة بدولته العُنصرية كما حدث في الفيتنام بوقف الحرب وإفريقيا بإسقاط الأنظمة العنصرية وقوانين التمييز العُنصري ضد السُود في أمريكا. لذا فهو خائف من إنفجار هذه الثورة وإتساع دائرتها لجامعات أُخرى أوروبية وشرقية، وبدايتها من جامعات النخبة الأمريكية ك “كولومبيا وهارفاد” في بوسطن معناه أن الجيل القادم من أبناء أعضاء مجلسي النواب والشيوخ ورجال الأعمال لن يصدق أكاذيب الصهيونية التي كان من بين مُعارضيها يهود رفعوا الأعلام الفلسطينية وارتدوا الكوفية وهذا ما زاد من وتيرة القلق عند الرجل المُشهر لشعار “معاداة السامية والعداء لليهود”.
حراك طُلابي غربي تمنينا أن يكون للعرب نصيب منه، حتى لا يُوصف طلبتنا وأساتذتهم بالجُبناء والخاذلين لقضية أُمتهم، لكن تمشي الرياح بما لا تشتهي السُفن، ومرة أُخرى يسبقنا الغرب بخُطوة بسبب انتمائنا لدول تابعة في كل المجالات، ضعيفة إقتصاديا وسياسيا وحتى إجتماعيا، دُول لم تستطع لحد الساعة التحرر من صندوق النقد الدُولي، تعيش على الدُيون والمُساعدات وتخاف من المُظاهرات والإعتصامات البُعبع المُهدد للكُرسي والقصر، فكيف ننتظر ردة فعل من نُخبتها وشبابها المثقف مُهدد بالإعتقال إذا ما خرج عن الدائرة المسموح له بها للتعبير، فبرافوا وشكرا لطُلاب الجامعات الأمريكية والغربية لدعمهم الإنساني لقضية لن تُحل بالمُظاهرات وفقط، فالمُقاطعة الدبلوماسية للسفارات والتعاملات مع إسرائيل وكل من يدعمها ويُطبع معها، والمُقاطعات التجارية بإيقاف الإستراد والتصدير كما فعلت تُركيا مُؤخرا، وطبعا التوافق الفلسطيني الداخلي مهم جدا لدحر كل أنواع الفتن والمُؤامرات.