قمّة الهوان في البحرين
كتب / عبد الباري عطوان
مُقاطعة قادة عرب لحُضور القمّة التي انعقدت اليوم (الخميس) في البحرين، الدّولة العربيّة “المُطبّعة”، باتَ هو الخبر، وليس حُضورها، وأيًّا كانت الأسباب، خاصَّةً في هذا الوقت الذي تُحقّق فيه “المُقاومات” العربيّة الإسلاميّة انتصارات إعجازيّة في جبهاتِ القتالِ المُتعدّدة، وخاصَّةً في قطاع غزة.
حُضور هذا النّوع من القمم، وانعِقادها في هذا التّوقيت، والتّوقيع على بيانها الختاميّ الاستسلاميّ المُهين، الذي لا يَمُتّ بصلةٍ لمشاعر الجماهير العربيّة ويُشكّل وصمة عار لها، وإساءة لمشاعرها في هذه اللّحظات التاريخيّة، وتحقيرًا لدِماء الشّهداء، ويَصعُب علينا أنْ ننْسى أنّ العاصمة التي انعقدت فيها هذه القمّة هي لدولةٍ بالغت في خطواتها التّطبيعيّة، واستضافت قمّة صفقة القرن التي مهّدت لهذه الغطرسة الصّهيونيّة.
ما علاقة “العُروبة” بقمّة يغيب عنها أكثر من 12 “زعيمًا” عربيًّا، ولا تُشارك فيها، ولو كضيف شرف، قيادة المُقاومة الفِلسطينيّة التي رفعت رأس الأُمّة عاليًا بالانتِصارات التي حقّقتها في ميادين القتال سواءً في قطاع غزة أو الضفّة الغربيّة، وفي صُمودٍ أُسطوريٍّ امتدّ لأكثر من سبعة أشهر تكبّد العدوّ خلالها خسائر ضخمة جدًّا، وفشل في تحقيقِ أيٍّ من أهدافه، ابتداءً من التّهجير إلى الخارج، ومُرورًا بفكّ العلاقة بين المُقاومة وحاضِنتها، وانتهاءً باستِعادة الأسرى الرّهائن.
***
مُؤسّسة القمّة العربيّة قامت في الأصلِ لاحتِضانِ المُقاومة الفِلسطينيّة، ودعم منظّمة التّحرير المُمثّل الشرعيّ لحرب التّحرير لكُل الأراضي العربيّة المُحتلّة، ومن المُفارقة أن مُعظَم حُضور قمّة المنامة الحاليّة يُقاطعون حركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وحُلفائهما في القطاع والضفّة، ويعتبرونها “حركات إرهابيّة”، لأنّها تُقاوم الاحتلال والهيمنة الأمريكيّة على المِنطقة حماية للأُمّة، وقُدسها وأقصاها وكنائسها.
عندما يجري تغييب حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بتعليماتٍ أمريكيّة وإملاءاتٍ إسرائيليّة، ويجلس على المِقعَد الفِلسطيني في هذه القمّة رئيسًا يتزعّم سُلطة تدعم الاحتِلال، وتُوفّر الأمن لقوّاته ومُستوطنيه، وعندما يُمثّل الشّعب اليمني الذي أغلق كُل البُحور والمُحيطات في مُواجهة السّفن الإسرائيليّة تضامنًا عمليًّا مع المُجاهدين الصّامدين لأكثر من سبعة أشهر في حرب الإبادة والتّطهير العِرقي، قيادة مُعيّنَة أمريكيًّا باسم الـ”شرعيّة” المرفوضة من قِبَل الملايين من أهل البلاد، وعندما لا تُوجّه الدّعوة (كمُراقب على الأقل) لدولةٍ مُسلمة شقيقة كانت، وما زالت، تُموّل المُقاومة وداعِميها العرب (جنوب لبنان، العِراق، اليمن، سورية) بالسّلاح والصّواريخ الباليستيّة، والقذائف التي تُفتّت الدبّابات الإسرائيليّة، وتَحرِقها ومن فيها، فإنّ هذه القمّة تُمثّل “عُروبة” أُخرى ليس لها علاقة من قريبٍ أو بعيد بهذه الأُمّة العريقة التي نعرفها، وتاريخها المُشرّف الحافِل بالبُطولات والإبداع في المجالات كافّة، فمُعظم المُشاركين فيها لا يحظون بتَمثيلِ شُعوبهم، وأيّامهم في السّلطة باتت معدودة.
كُنّا نتمنّى لو أنّ هذه القمّة لم تُعقَد من الأساس، لأنّها، وقرارتها وحُضورها، يُشَكّل إساءةً للأُمّة واسمُها وقيمها وإرثها، خاصَّةً لأنّها تنعقد بعد سبعة أشهر من عمليّة “طُوفان الأقصى” التي ستَدخُل التّاريخ بتحطيمها لأُسطورة الجيش الذي لا يُهزَم، وإطلاق نقطة البداية لانهيار المشروع الصّهيوني العُنصري وفضْح جرائم حرب الإبادة التي مارَسها ولا يزال يُمارسها في الأراضي العربيّة المُحتلّة.
من يُمثّل العرب هو الذي يقف في خندق المُقاومة في مُواجهة الهيمنة الأمريكيّة الصّهيونيّة ومجازرها، وليس في خندق أولئك الذين يُقدّمون الدّعم، ويُقيمون جُسور الإغاثة والمُساعدات الغذائيّة، والذّخائر لدولة العُدوان وجيشها ومُستوطنيها.
***
قمّة لا يجلس فيها على مِقعَد فِلسطين المُجاهد يحيى السنوار، وحوله زياد النخالة، وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف، وأبو عبيدة، لا تُمثّل الأُمّة “العربيّة الجديدة” المُنبثقة من وسطِ رماد عصر الهزائم والتّطبيع، وتُجَسِّد زمنًا عُنوانه الأبرز “طُوفان الأقصى”.
مُؤلمٌ جدًّا أن يُمثّل الشّعب الفِلسطيني “رئيس” يعتلي منبر قمّة المنامة ليَشُنّ هُجومًا شَرِسًا على أبطال المُقاومة في القِطاع، ويقف في خندق الاحتِلال ومجازره، بتوجيه اللّومِ لهُم، وقيادتهم، لتنفيذهم أشرف حرب تحرير في تاريخ الأُمّة، بذريعة تفرّدهم بقرار الحرب، وهو الذي تفرّد بأكبرِ خيانةٍ في تاريخِ الشّعب الفِلسطيني اسمها اتّفاقات أوسلو، وما تفرّع عنها من تطبيعٍ واعتراف، والتّنازل عن 80 بالمِئة من أرضِ فِلسطين التّاريخيّة دُونَ أنْ يُقيم الدّولة “المَسْخْ” على ما تبقّى منها.
ختامًا نقول إنّ قمّة البحرين قد تكون آخِر قمم الهوان والتّخاذُل والخِزي والعار، والحدّ الفاصِل لقمم الأُمّة العربيّة الجديدة القادمة التي سيكون حجر أساسها الانتِصار الكبير في الضفّة والقطاع والمِنطقة بأسْرِها بزعامةِ رجال القسّام وسرايا القدس، والمُجاهدين، وكتائب شُهداء الأقصى وحزب الله وأنصار الله.. والأيّام بيننا.