طعنتم سوريّة.. ارفَعوا أياديكم عن غزّة
كتب / زهير أندراوس
ليس سرًّا أنّ سوريّة، تعرّضت، وما زالت تتعرّض لأخطر، مؤامرةٍ كونيّةٍ، أشرفت عليها رأس الأفعى، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، بمُشاركة دولة الاحتلال الإسرائيليّ، وبدعمٍ عربيٍّ فظيعٍ ومُخزٍ من قبل أنظمةٍ عربيّةٍ أكثر من متواطئةٍ، ترتمي اليوم في أحضان الكيان تحت المُسّمى الكاذِب (التطبيع)، فيما تُواصِل (قلب العروبة النابِض)، أيْ سوريّة، كما نعتها القائد الخالد، طيِّب الذكر جمال عبد الناصر، تُواصِل عدم الاعتراف بالكيان الذي أُقيم على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ، الذي شُرِّد وهُجِّر من بلاده في النكبة المشؤومة.
***
وقبل الولوج في القضيّة التي نحن بصددها نجِد لزامًا على أنفسنا التوضيح بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل: إنّنا ندعم سوريّة دون تأتأةٍ، ندعمها كشعبٍ، وكحضارةٍ، وكثقافةٍ، ولنا الكثير من التحفظات على النظام الحاكم في بلاد الشام، ولكن في الوقت عينه لا يُعقَل أنْ تُقيم في بلدٍ عربيٍّ مُستبِّدٍ، ومن هناك تقوم بمهاجمة (نظام الأسد)، دون أنْ تلتفِت إلى النظام الحاكم الذي يأويك، وتتعامى عن سبق الإصرار والترصّد من انتشار القواعد العسكريّة الأمريكيّة المُتواجدة على أرض الدول التي تستضيفك، هذه الدول العربيّة، وطبعًا الدول الأخرى، التي قامت بتزويد إسرائيل بالأسلحة من خلال جسرٍ بريٍّ، إذْ أنّ واشنطن جمعت الأسلحة والعتاد من قواعدها في بلاد العرب، وأرسلته للكيان ليُواصِل عملية ذبح الفلسطينيين في قطاع غزّة وفي الضفّة الغربيّة المُحتلّة. المؤامرة ضدّ سوريّة هي كما ذكرنا أمريكيّة، ولكن المقاولين الثانويين، هم من “أبناء جلدتنا”، الذين أبدوا كرم حاتم الطائيّ في دعم ما تُسّمى بالثورة السوريّة.
***
ولا نتجنّى على أحدٍ إذا ذكَّرنا الجميع بمقولة أوّل رئيس وزراءٍ إسرائيليٍّ، دافيد بن غوريون: “قوّتنا ليست في سلاحنا النوويّ، بل في تدمير وتفتيت ثلاث دولٍ كبرى حولنا العراق، سوريّة ومصر وتحويلها إلى دويلاتٍ متناحرةٍ على أسسٍ دينيّةٍ وطائفيّةٍ، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر” انتهت المقولة. وغنيٌّ عن القول في هذه العُجالة إنّ مصر، تمّ إخراجها من المحور العربيّ عام 1979 بعد توقيعها على اتفاق السلام مع إسرائيل بوساطةٍ ورعايةٍ واشنطن، العراق تعرّض لغزوٍ أمريكيٍّ شيطانيٍّ في العام 2003، واليوم تُعاني بلاد الرافديْن من مشاكل عويصةٍ لا يتسِّع المكان لسبر غورها، وبعد مرور 8 أعوامٍ، أيْ في العام 2011، جاء دور سوريّة، لدفع ثمن تنفيذ وصية بن غوريون، سوريّة التي كانت دولةً تتمتّع بالاكتفاء الذاتيّ تحولّت بسبب الحرب الأهليّة لدولةٍ فاشلةٍ، غيرُ قادرةٍ على مواجهة إسرائيل، والأخطر من ذلك، أنّه تمّ تفتيتها على أسسٍ عرقيّةٍ دينيّةٍ ومذهبيّةٍ وأخرى، ولذا يتعيَّن علينا توجيه الشكر لجميع الأنظمة العربيّة، التي شاركت في المؤامرة على سوريّةٍ خدمةً لأجندات أمريكا وذيلها، كيان الاحتلال.
***
ومن البديهيّ القول الفصل إنّ الإعلام الإسرائيليّ يعمل على مدار الساعة لشيطنة سوريّة، والاستئساد على العرب كأمّةٍ، ولكن ما يُثير الحنق والغضب أنّ وسائل إعلام عربيّة، أوْ بالأحرى مُستعربة، تستغِّل هذا الظرف الخطير وتحديدًا مذبحة غزّة، لتصفية الحسابات ليس مع إسرائيل، بل مع سوريّة، فكيف، يتعيَّن علينا أنْ نسأل، كيف تقوم وسائل إعلامٍ عربيّةٍ باقتباس خزعبلاتٍ وتُرّهات مُستشرقةٍ إسرائيليّةٍ تُدعى، كارميت فالينسي، وهي “مسؤولة برنامج الجبهة الشماليّة في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب”، التي تدَّعي زورًا وبُهتانًا، أنّه “في بداية الحرب على غزّة، أرسلت دولة الاحتلال رسائل تهديد للأسد، مفادها أنّ الدخول في المعركة سيُعرِّض دمشق ووجوده فيها للخطر”، مُضيفةً: “الأسد بعد 13 عامًا من الحرب الأهليّة الدموية، ولا يزال يواجه تهديداتٍ داخليّةٍ من داعش والجماعات المسلحة الأخرى، يدرك جيدًا القدرة العسكريّة الإسرائيليّة في سوريّة، ولا يرغب بتعريض حكمه للخطر مرّةً أخرى”.
***
وفي هذا السياق لا بدّ، وللأسف الشديد، من الاستعانة بوزير الإعلام النازيّ جوزيف غوبلز ومقولته الشهيرة، ولكن ليست المأثورة: “أعطِني إعلامًا بلا ضمير، أُعطيك شعبًا بلا وعي”. وبعيدًا عن غوبلز، فإنّ المخطط الإمبرياليّ- الصهيونيّ، الذي يعكف على إخراجه إلى حيّز التنفيذ، وكلاء هاتيْن الحركتيْن في الوطن العربيّ، لم يعُد يكتفي باستباحة الوطن العربيّ، بل إنّ هدفه يكمن أيضًا في احتلال العقول العربيّة وكيّ وعيها تمامًا. وهذا ما يجعل دور الإعلام العربيّ المُعادي لسوريّة موازيًا لدور الإعلام الإسرائيليّ والغربيّ في شيطنة النظام السوريّ وتحويله إلى ألّد أعداء الأمّة العربيّة. والأمر أصبح أكثر خطورةً في زمن العولمة، التي حوّلت العالم إلى قريةٍ صغيرةٍ، بحيث أنّ دور الإعلام الهدّام بات أكثر تحطيمًا واقترب بخطىً حثيثةٍ إلى التدمير الكليّ لكلّ ما يمُت للعرب بصلةٍ. ذلك أنّ العقل البشريّ، هكذا على الأقّل تعلّمت خلال دراستي لموضوع الصحافة في إيطاليا، هو مثل الزجاجة، باستطاعتها أنْ تمتلئ، وبعد ذلك تبدأ بردّ الماء الذي تريد أنْ تزيده، أيْ أنّ العقل البشريّ لا يُمكنه أنْ يتحمّل فوق طاقته وقدراته.
***
وختامًا، مع كلّ الاحترام للأنظمة العربيّة، المُتحالفة أوْ الخاضِعة للولايات المُتحدّة، وهو احترامٌ محدود الضمان، نقول وبكلّ أسفٍ: مَنْ تآمر على سوريّة وطعنها من الخلف، لن يتورّع عن طعن الشعب العربيّ-الفلسطينيّ من الوراء ومن الأمام وما بينهما، ولن يخجل من الاصطفاف مع أمريكا وإسرائيل في حربهما الهمجيّة والبربريّة ضدّ قطاع غزّة، الحرب، سيّداتي وسادتي، أمريكيّة بامتياز، والكيان هو المُقاوِل الرئيسيّ، والبعض غير القليل من العرب يلعبون دور المقاولين الثانويين، كما أنّ مقترح عجوز أمريكا بايدن للهدنة هدفه الأول والأخير، الحفاظ على أمن إسرائيل ليس إلّا، فحذارِ من الإخوة، قبل الأعداء، خصوصًا بعد التجربة السوريّة، لأنّ “ظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ”، كما قال الشاعر طرفة بن العبد.