تعاون الطاقة الصيني العراقي سجل الفصول الرائعة للمستقبل المشترك
كتب / ليو تشاو
هناك مثل صيني رائع يمكنه وصف الصداقة والتعاون بين الصين والعراق وهو "إن أصحاب الرؤية المشتركة يتعارفون ويتعاونون ويتقاربون ويتشاركون في مستقبل مشترك حتى ولو تفصلهم البحار والجبال". العلاقات الصينية العراقية في عصرنا هذا قد أصبحت نموذجا يحتذي به للعلاقات بين دول العالم وقدوة لتعاون الجنوب – الجنوب. ووسط التيار العالمي التاريخي للتنمية، يتصدر التعاون الاقتصادي جدول أعمال التعاون الصيني العراقي، بينما يحل التعاون الطاقي المحل المحوري لهذا التعاون الاقتصادي.
تعتبر صناعة النفط الركيزة الأساسية للاقتصاد العراقي، حيث شهد تعاون الطاقة بين البلدين العديد من اللحظات المثيرة. منذ عام 2008، بدأت "مؤسسة البترول الوطنية الصينية" (بتروتشاينا) أكبر منتج صيني للنفط والغاز، في مشاركة التعاون لتطوير صناعة النفط والغاز في العراق. منذ عام 2019 استثمرت "بتروتشاينا" أكثر من مليار دولار أمريكي لبناء محطة معالجة الغاز بمشروع الحلفاية النفطي في محافظة ميسان، والتي ستحول الغاز المصاحب إلى غاز طبيعي قابل للاستخدام والغاز البترولي المسال وكبريت وغيرها، وستوقف احتراقه وستساعد في حماية البيئة. كما يمكن نقل الغاز الجاف المعالج إلى المحطات الكهربائية كغاز لتوليد الكهرباء للتخفيف من حدة نقص إمدادات الطاقة في العراق. ومن المتوقع أن تساعد المحطة بعد تشغيلها الكامل على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت بنحو 30 ألف طن سنويا، ونقل الغاز الجاف المعالج إلى محطتي العمارة وميسان لتوليد الكهرباء بمقدار 5 مليارات كيلووات/ساعة سنويا، إضافة لزيادة الدخل من خلال بيع المكثفات والكبريت. محطة معالجة الغاز بمشروع الحلفاية النفطي هي أول معمل لمعالجة الغاز الطبيعي بين حقول النفط العراقية وأول مشروع يحقق الاستفادة الشاملة من الغاز الطبيعي. ويعد الإنجاز الميكانيكي للمشروع في نهاية سبتمبر عام 2023 علامة فارقة في التعاون الصيني العراقي في مجال الطاقة. وفي الوقت الحالي، دخل هذه المحطة أكثر لحظات أهمية للإنتاج.
وفي سبتمبر عام 2023، من أجل تعزيز تقاسم الخبرة وتبادل التكنولوجيا ذات الصلة، قامت الإدارة العليا لشركة نفط ميسان بزيارة إلى الصين تلبية لدعوة شركة بتروتشاينا في الحلفاية. وخلال الزيارة، أجرى الوفد الذي ترأسه حسين كاظم لعيبي مدير عام شركة نفط ميسان المحادثات المعمقة مع الجهات المختلفة لـ"بتروتشاينا"، بما فيها جهة التكنولوجيا وجهة الخدمات وجهة المعدات. ومن خلال أنشطة التبادلات المماثلة، سيتم تعميم استخدام تكنولوجيا التنقيب المتقدمة الصينية في العراق.
ويشهد التعاون الثنائي في مجال الطاقة حدثا رئيسيا في العام الجاري، حيث سلمت شركة إكسون موبيل الأمريكية للطاقة العمليات رسميا في حقل غرب القرنة 1 النفطي بجنوب العراق إلى شركة بتروتشاينا كمقاول رئيسي في أول يوم عام 2024. ويمثل هذا التسليم الانسحاب الكامل لشركات الطاقة الأمريكية من مشاريع حقول النفط العراقية. وأوضح رئيس شركة نفط البصرة أن العراق وبتروتشاينا يخططان لزيادة الإنتاج إلى 600 ألف برميل يوميا بنهاية عام 2024. ويعتقد بعض المحللون أنه بالمقارنة مع الشركات الأوروبية والأمريكية، تتمتع بتروتشاينا بمزاياها الخاصة في التحكم في التكاليف وتخطيط المشاريع وقدرة التنفيذ وتحمل المسؤولية. فالآن، يعد العراق أهم البلدان لإجراء تعاون الطاقة بنسبة لشركة بتروتشاينا، وتغطي أعمالها في العراق السلسلة الصناعية الكاملة للشركة.
إضافة إلى التعاون في الطاقة النفطية، شاركت الشركات الصينية بنشاط في بناء الطاقة الكهربائية في العراق. في عام 2014، تم تشغيل محطة كهرباء واسط، التي شيدتها شركة صينية بغية في تحسين إمدادات الطاقة في بغداد والمناطق المحيطة بها لتقديم نموذج على التعاون العراقي الصيني ضمن مبادرة الحزام والطريق. وفي عام 2021، تم توصيل محطة توليد الكهرباء ذات الدورة المركبة 730 ميغاواط في الرميلة، والتي بنتها شركة بناء الطاقة الصينية (باور تشاينا)، بالشبكة لتوليد الطاقة، مما يخفف بشكل كبير من نقص الطاقة في جنوب العراق. وحسب التقارير، إن محطات الطاقة التي بنتها الصين مسؤولة عن نصف إمدادات الكهرباء في العراق.
والجدير بالذكر أنه رغم موارد ومسارات تنمية مختلفة للجانبين الصيني والعراقي، كلاهما ينتقلان إلى اتجاه أنظف وأكثر اخضرارا وأقل كربونا. وتولي الصين بالغ الأهمية في بناء مستقبل مصير مشترك مع العراق نحو التنمية الخضراء والتنمية العالية الجودة، وتتقاسم الصين مع الدول العربية
الخبرة في التحول الطاقي والاستخدام الأخضر للطاقة، وفي القمة الصينية العربية الأولى، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ "الأعمال الثمانية المشتركة" للتعاون العملي بين الصين والدول العربية، فيما أكد على أهمية العمل المشترك لأمن الطاقة، وأشار إلى أن الجانب الصيني يحرص على العمل مع الجانب العربي على إنشاء المركز الصيني العربي للتعاون في الطاقة النظيفة ودعم شركات الطاقة والمؤسسات المالية الصينية للمشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة في الدول العربية. وفي الاجتماع الوزاري الـ10 لمنتدى التعاون الصيني-العربي الذي تم انعقاده في مايو العام الجاري، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ "المعادلات الخمس للتعاون" حيث يولي اهتمامه لبناء معادلة أكثر تكاملا للتعاون الطاقوي مع الدول العربية. وكل هذا يعكس عزم الصين في تعميق التعاون الطاقي مع الدول العربية بما فيها العراق. فلا جدال فيه أن التعاون بين الصين والدول العربية في مجال الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة سيكون أوثق وأوسع، وسيجلب هذا التعاون آثارا إيجابية لاستقرار الطاقة العالمية، كما سيدفع عجلة التنمية الخضراء لكلا الجانبين الصيني والعراقي.
كاتبة وصحفية صينية متخصصة في مجال الاقتصاد والتجارة