تعسا لكم …!
كتب / حسن كريم الراصد
كان عمرا شاقا متعبا .. فتحنا أعييننا على الدنيا والبعث يتربع على عرش الحكم يسوم الناس سوء العذاب ويحرمهم من ابسط الحقوق .. كبرنا وبقينا بصعوبة وكأنما كنا نمشي بحقل ألغام بعدما تبنينا بغض هذا النظام ومخالفته حتى وأن قال لا اله الا الله .. أنخرطنا بالعمل السري ضد النظام وفقط من بقي في البلاد يعلم ماذا يعني أن تكون في مجموعة لها عمل سري ضد الطاغية .. مات من مات وقتل من قتل وهاجر من هاجر ولكنا بقينا أحياء لنشهد سقوط دولة الجبابرة . عملنا منذ اليوم الأول في العهد الجديد وحتى قبل أن يسقط تمثال ساحة الحرية . ورفعنا يافطات الترحيب بمن كانوا في المهجر . واسسنا جماعة صالحة تنظم الحياة وتدعو الناس وتعرفهم بقادتهم . ثم بدأ الصراع الأقسى بعدما تجمعت قطعان الوحوش الضواري تفتك بالفقراء وتحرق أجسادهم وتمزق اوصالهم في الساحات والشوارع والاسواق في أقسى صراع دموي يتعرض له شعب . هنا بدأنا مرحلة جديدة من العمل الدؤوب والنضال المرير يتمثل في مواجهة هذا العدو بالوسائل المتاحة . صرخنا عندما صمت الكثير . ورابطنا عندما هرب البعض . وواجهنا بصدور عارية عدو شرس حرفته الفتك والذبح وكان سلاحنا الكلمة والقلم . كنا نسير في الشوارع نتلفت خشية سيارة مفخخة أو اطلاقة من كاتم او طعنة من سكين غادر . اساليب القتل متعددة كثيرة . والخصوم كانوا أكثر . فالقاعدة وبقايا البعث وحتى المخالفين من أبناء جلدتنا . ولكننا لم نتوقف .. ظهرنا على الشاشات نشد من أزر اخواننا . وكتبنا بالصحف ما يفضح زيف عدونا . والناس يلوموننا على المجازفة والبعض يعتبر ذلك رعونة وتهور .. هجرونا من ديار ابائنا وأرعبوا أطفالنا حتى صمت احد فلذات اكبادنا ولم ينطق بكلمة منذ عقدين . كان البعض يجامل ونحن نجاهر . كان البعض يختبئ ونحن على الشاشات نقاتل حتى قال قاداتنا : اليس لكم حاجة بهذا الرجل حتى تظهروه بهذا الشكل ؟ اليس لديه عيال واولاد لتقدموه في مقدمة الصراع ؟ فقلنا : لا عليكم فأن لنا موعدا لم نخلفه .. ثم جاءت المعركة الكبرى وأطلقت الفتوى العظمى فتقدمنا الصفوف تارة كمراسلين في ساحات الوغى وتارة على الشاشات نفضح الداعمين والمتخاذلين . فأرتدينا الخاكي في المعارك فضلا عن الشاشات . ورحنا ننظم لافواج الدعم اللوجستي للمجاهدين . ثم نظمنا مجاميع تجمع التبرعات للنازحين من مناطق الصراع في مجموعة سميت بالمئة شاب .. ولما وضعت الحرب اوزارها وبانت طلائع النصر تحولنا الى اول مشروع لاسكان أيتام شهداء الحننند في بيوت تليق بهم واسمينا ذلك بمشروع وفاء وتمكنا من بناء ما يقرب من عشرين دارا بأمكانات فردية ..ثم جاء وقت الفراق . وقت الحصاد . فحصد من كان مختبئا الثمار . وأبعد من بذر البذور وسقى الأرض عندما أينع الثمر .. فجاء للواجهة أناس لم نراهم من قبل . اعتلوا المنصات وهم يجيدون الثناء والصراخ . تقدموا الجموع وتخلفنا حياء وعفة . وبدأت الازاحة . فتداركنا الأمر فأزحنا أنفسنا قبل أن نزاح . وتركنا الساحة بعدما تسيد فيها الأبتزاز والابتذال والتملق ومن يجيد الصراخ . فشعرنا بالغربة وكأننا في غير وطننا الذي كنا نضمد جراحه وعندما تعافى تنكر لنا . فتنحينا عن الواجهة واصبحنا أحلاس بيوتنا ورضينا بذلك بعدما علمنا أن ذلك حدث ويحدث في كل حين . فابا ذر يموت في الربذة وحيدا تستجدي له أبنته كفنا وابن العاص واليا فما الغريب اليوم .. وصمتنا .. ورضينا بما حققنا لأنفسنا وبالود والاحترام والانصاف في قلوب الشرفاء الذين لم ينسونا . وقلنا لا بأس . ولكن أن يكرم من كان عدونا كبطل قومي ويمنح الاوسمة من كان يهتف بذبحنا فهذا ما يخرج المرء من صمته . رضينا بأن يتسيد المشهد من لم يرمي العدو بحجر . ولكنا لم نتحمل أن يمنح الاوسمة من كان يرمينا بحجر . وأي حجر ؟ فتعسا لكم وبعدا لزمان يقرب فيه من كان يحض على قتلكم .. وبأس المكرم والمُكرم ..