الاحتلال التركي والصراع في سوريا
كتب / ئاريان كركوكي
يشير مفهوم الدولة الحديثة في السياسة إلى فكرة أن الدولة هي كيان ذو سيادة، له السيطرة على شؤونه الخاصة، متحرر من التدخل الخارجي. تتميز الدولة الحديثة بوجود حكومة مركزية، بذلك أن الدولة مرتبط بمفهوم السيادة فلا دولة بدون سيادة ولا سيادة بدون دولة. عندما تحتل الدولة من قبل دولة أخرى تنتهك سيادتها ومفهوم انتهاك السيادة والاحتلال تتطورت خلال العقود من العسكرة الى الاحتلال السياسي والاقتصادي والمذهبي. فلسطين دولة محتلة العراق ولبنان والسودان ومصر واليمن ولبنان دول محتلة. أما سوريا أصبح في رأس القائمة لوجود احتلال من جيوش وميليشيات مسلحة. لا تُعرف مساحة المناطق المحتلة في شمال سوريا الخاضعة للسيطرة التركية حالياً، إلا أن عدد سكان هذه المناطق يتراوح حالياً بين 3 و3.5 مليون نسمة. في الواقع، يبلغ عدد السكان الأصليين لهذه المناطق مليوني نسمة، لكن أكثر من 1.2 مليون لاجئ من دمشق وشمال حلب وأجزاء أخرى من سوريا فروا من الوضع الأمني في البلاد. وإذا تم نقل النازحين داخلياً في تركيا، فإن العدد سيزداد بشكل كبير. مدينة مثل عفرين، وهي مدينة ذات أغلبية كردية، بكل القرى والبلدات المحيطة بها، يقدر عدد سكانها بحوالي 350 ألف نسمة، حوالي 70 بالمئة منهم غادروا المدينة بعد الاحتلال التركي. تتعرض تركيا لضغوط داخلية لإعادة هذه المناطق إلى سوريا لأن ذلك يتطلب الكثير من الإدارة ويشكل صداعًا كبيرًا لتركيا، لكن ليس من السهل تسليمها دون اتفاق سياسي شامل. ويريد أردوغان تسليم هذه المناطق إلى روسيا وسوريا في اتفاق خاص، لتخفيف الصداع وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. ويعتبر الحكم بعد انسحاب تركيا من هذه المناطق من أكبر المشاكل التي تواجه الأطراف المعنية تركيا، سوريا، روسيا . لنفترض أن تركيا قررت الانسحاب، ولكن لمن يجب أن تسلمها ؟ ولا توجد معارضة منظمة وذات مصداقية، وليس من السهل على سوريا وروسيا استعادة هذه المناطق. وبالإضافة إلى أن معظم الأهالي في هذه المناطق معارضون لنظام الأسد، فإنها تضم أيضاً نحو مليون لاجئ فروا من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. ومن المهم ألا ننسى أن أي اتفاق بشأن سوريا بدون الولايات المتحدة سيكون من الصعب للغاية نجاحه. وقد أعربت الولايات المتحدة بوضوح عن معارضتها لهذه القضية، لأنها من ناحية ستعزز الدور الروسي في سوريا، ومن ناحية أخرى فإن الاتفاق ضد الوجود الأمريكي في شرق الفرات. وهذا يعني أنه إذا توصلت تركيا وسوريا إلى اتفاق على يد الروس، فإن ذلك سيثير مرة أخرى مسألة الإطاحة بنظام الأسد بموجب قرار مجلس الأمن الدولي. وبناء على هذه التطورات في المنطقة الصاخبة تسعى الأطراف المسيطرة على إيجاد صيغة اتفاق من أجل التسابق مع التطورات المستقبلية الحاصلة في المنطقة حيث حرب إسرائيل وحرب اوكرانيا والانتخابات الأمريكية والحروب التقليدية في المنطقة بدأت في المضي الى طريق آخر والتكهن بإنهاء الحرب صعب جدذ في المستقبل القريب ولم تنجح محاولات لقاء أردوغان والأسد. فمن ناحية، تعارض الولايات المتحدة اللقاء، ومن ناحية أخرى، فإن شرط الأسد المسبق للقاء أردوغان هو انسحاب تركيا من جميع المناطق المحتلة في شمال سوريا، الروس هم وسطاء هذا التقارب. وحاولوا عدة مرات اللقاء بين الأسد وأردوغان، لكنهم فشلوا لأن شرط الأسد لعقد اللقاء هو انسحاب تركيا المبكر من المناطق الشمالية المحتلة من البلاد.روسيا وتركيا وسوريا تنظر إلى التطبيع من منطلق مصالحها الخاصة. وتعارض الولايات المتحدة التقارب بين تركيا وسوريا في هذه المرحلة. يريد الروس تعقيد العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، وكذلك القوات المسلحة المتطرفة في إدلب وعفرين وشمال حلب الخاضعة لسيطرتهم، لتخويف الولايات المتحدة في شرق الفرات الذي يقع تحت نفوذهم بشكل أكبر. يريد أردوغان ضرب ضفدعتين بحجر واحد، من جهة لحل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا الذين يزيد عددهم عن 3 ملايين، ويريد نقل اللاجئين إلى المناطق الخاضعة الآن لسيطرة الجماعات الإرهابية في الشمال. سوريا. لأن قضية اللاجئين السوريين في تركيا، أصبحت مشكلة اقتصادية كبيرة ومشكلة كبيرة لمستقبل أردوغان وحزبه. ومن ناحية أخرى، تم الاتفاق مع الأسد على مواجهة الأكراد معًا في شرق الفرات أو المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، والمعروفة بمنطقة النفوذ الأمريكي.، يدرك بشار الأسد أنه لن يحصل على شيء من المحادثات مع أردوغان دون استعادة المناطق المحتلة في شمال سوريا، لذلك يريد لقاء أردوغان بشروط مسبقة. إذا انسحب الأتراك من شمال سوريا، فسيكون ذلك إنجازاً سياسياً كبيراً داخل سوريا، وسيكون لدى النظام السوري المزيد من القوة لفتح الأبواب المغلقة والحصول على فرصة جديدة للهروب من هذه العزلة.