أوكرانيا والتملق الى الصين
كتب / كريم المظفر
ازدادت خلال الأيام القليلة الماضية تصريحات المسئولين الأوكرانوعلى رأسهم ، الرئيس (المنتهية شرعيته ) فلاديمير زيلينسكي ، خلال اجتماعه في كييف مع وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، ضرورة إيقاف القتال بين روسيا وأوكرانيا ، وإنه يدرك تماما ضرورة التوصل لحل وإنهاء الأزمة الأوكرانية بأسرع وقت ممكن ، إمكانية إجراء مفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بالرغم من المرسوم المعمول به في أوكرانيا والذي يحظر مثل هذه المفاوضات ، رغم انه سبق وان هاجم مبادرة البابا فرنسيس لدعوته الى ضرورة اللجوء الى لغة الحوار واحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا.
والجديد في دعوة زيلينسكي، هي انها تأتي وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد انتهاء شرعية زيلينسكي، لذا من المهم أن “نفهم من الذي نحتاج إليه ومن ذا الذي يمكن التعامل معه من أجل التوقيع على وثائق ملزمة قانونا” ، وأن العقبات الرئيسية كما أشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، تتمثل في استحالة المفاوضات التي شرعها مرسوم لزيلينسكي مع بوتين، فضلا عن المبادرات الأوكرانية، مضيفة أن ذلك “يشير إلى العزلة الكاملة لكييف الرسمية عن الواقع المستجد”.
ولم تقتصر التصريحات على زيلينسكي ، بل أيضا وزير خارجيته ديمتري كوليبا ، الذي أختار الصين ( الذي سبق وان تهجم عليها ، خصوصا بعد تقديمها بمبادرة لحل النزاع ، رحبت بها روسيا وهاجمتها أوكرانيا ، وعملت كييف المستحيل لممارسة ضغوط قوية تجاه بكين لاستمالة موقفها الى جانب مبادرة زيلينسكي ) ، اختارها مكانا لأطلاق تصريحات لا تختلف في مضمونها عن تصريحات رئيسه ، والسؤال المهم لماذا تم الإدلاء بهذه التصريحات على وجه التحديد في جمهورية الصين الشعبية، وما الذي تحاول أوكرانيا إقناع الصين به وما مدى نجاحه – وماذا تعني هذه التصريحات بالنسبة لروسيا؟
الزيارة وكما وصفها المراقبون، لا تبدو وكأنها ضغط ، ولم تكن هناك هتافات مسيئة أو مهينة للصين ، أو تحريفات للأسماء هذه المرة من ممثل كييف ، بل على العكس ، تعتبر محاولة ” تملق ” أوكرانية للصين ، وإلا كيف يفسر أعلان كوليبا دعمه لمبدأ الصين الواحدة (أي أنه أكد رفض الاعتراف بأي سيادة لتايوان) والأعراب عن أمله في أن يتوافق “السلام العادل” في أوكرانيا مع المصالح الصينية ، وأخيرا، يجري على الأراضي الصينية – أي في ظل ظروف الوساطة الصينية ، وليس الأوروبية – أعلن رسميا أن نظام كييف مستعد للجلوس على طاولة المفاوضات مع موسكو ، وفي وقت ليس ببعيد، رفضت أوكرانيا بشكل قاطع أي مفاوضات من هذا القبيل ، حتى أن أوكرانيا أصدرت قانونًا يحظر بشكل مباشر مثل هذه المفاوضات.
التغيير في الخطاب الأوكراني الجديد ، يمكن تفسيره بثلاثة عوامل ، أولاً، الوضع على الجبهة غير مواتٍ بالنسبة لهم يزداد سوءًا ، والقوات الروسية نجحت في الدخول الى أماكن استراتيجية جديدة على جبهات دونباس ولوغانسك ، ومستمرة في خطواتها لتحقيق أهدافها الكاملة للعملية العسكرية الخاصة ، والحديث هنا ليس فقط عن الهجوم الروسي المستمر، ولكن أيضًا عن زيادة وتيرته واتجاهه ، تجد الوحدات الروسية نقاط ضعف في الدفاع الأوكراني وتتمركز هناك، وتحرر القرى والمدن ، الواحدة تلو الأخرى ، مع أستمرار الوضع بالنسبة لنظام كييف في التدهور.
ويشير نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية ديمتري سوسلوفلصحيفة ” فزغلياد ” ، الى أنه ليس فقط لأن القوات المسلحة الأوكرانية لديها عدد قليل من الاحتياطيات المدربة ولا يوجد مكان يمكن الحصول عليها منه ، ولكن أيضاً لأن – وهذا هو العامل الثاني – تدفق المساعدات من الغرب التي قد ينخفض أو حتى يتوقف ، واليوم، فمستوى المساعدة والدعم الإضافي من الغرب غير واضح، خاصة في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة ، حيث أظهر المرشح الأوفر حظا في السباق الرئاسي، دونالد ترامب، بوضوح (بما في ذلك من خلال اختيار نائب الرئيس، وهو أحد أكثر أعضاء مجلس الشيوخ مناهضة لأوكرانيا، جي دي فانس) استعداده للخروج من التاريخ الأوكراني أو تقديم خيارات لموسكو للخروج ، وهذا يعني أن أوروبا لا تخاطر بالبقاء الراعي الوحيد لنظام كييف فحسب، بل تخاطر أيضًا بمخالفة موقف الولايات المتحدة ، وليس من المستغرب أن يفكر عدد من الساسة الغربيين في وقف تصعيد الصراع الأوكراني مؤقتاً، على الأقل حتى نتيجة الانتخابات الأميركية.
وأخيرا، يتلخص العامل الثالث في فشل قمة السلام في سويسرا، التي عقدتها كييف والغرب من أجل تنظيم ضغوط عالمية على روسيا ، لإجبارها على قبول شروط السلام الغربية ، وأصبح من الواضح تمامًا أن نظام كييف غير قادر على تحقيق أهدافه بالاعتماد على الغرب فقط ،فهو غير قادر على إجبار روسيا، عبر الوسائل العسكرية أو السياسية الدبلوماسية، على التوصل إلى تسوية تكون مقبولة بالنسبة له.
وحقيقة الأمر ، أن نظام كييف يمر الآن بالمرحلة الثالثة من قبول ما لا مفر منه ، لقد مر الإنكار والغضب بالفعل، ولا يزال القبول بعيدًا، والآن دخل زيلينسكي مرحلة المساومة ، ويحاول رئيس نظام كييف المساومة مع أولئك الذين لديهم الموارد الكافية – أي مع الصين ، في الوقت نفسه هناك رأي في الغرب بأن شي جين بينغ ، هو الزعيم الوحيد القادر على التحدث مع موسكو فيما يتعلق بالعملية العسكرية الخاصة وبناء على ذلك، يريد زيلينسكي من الرفيق شي ، إقناع موسكو بالتفاوض على السلام ، ولكن ليس بالشروط الروسية، بل بالشروط الأوكرانية ،ـ حتى ولو من دون “صيغة السلام” التي طرحها زيلينسكي (والتي تنص على انسحاب القوات الروسية من الأراضي الروسية، ودفع التعويضات، وما إلى ذلك).
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال استعدادهم للمفاوضات الثنائية مع موسكو – خاصة بالشروط الروسية ، وخاصة على أساس اتفاق اسطنبول 2022 ، ولكن تحاول كييف ببساطة ضمان مشاركة الصين في قمة السلام ، واقناعها ليس فقط بالحضور ، ولكن أيضًا لضمان مشاركة القادة الآخرين للأغلبية العالمية، وكذلك روسيا ، وببساطة، جر روسيا إلى عملية مفاوضات لا معنى لها من أجل المفاوضات، وبالتالي وقف الهجوم الروسي، وإيقاف الصراع مؤقتًا، وما إلى ذلك ، فهل توافق بكين على ذلك؟ .
لقد استقبلت الصين وزير كييف – والزيارة نفسها ترفع مكانة جمهورية الصين الشعبية كمفاوض بشأن القضية الأوكرانية، ويمكن أيضًا اعتبارها توبة علنية لنظام زيلينسكي عن جميع الإهانات السابقة للصين، ومع ذلك، فإن الصينيين لم يعطوا أي إشارات تشير إلى استعدادهم للعب رباعية مع كييف ، لذلك، استقبلوا ديمتري كوليبا فقط على أساس الوضع – أي أن نظيره وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية وانغ يي التقى به ، ولم يكن هناك أي حديث عن أي لقاء مع شي جين بينغ (والذي كان سيشير على الأقل إلى بداية مفاوضات جادة).
لذلك، وبدرجة عالية من الاحتمال، لن تدعم بكين لعبة كييف ، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أوكرانيا ليس لديها ما تقدمه للصين، سواء اقتصادياً أو سياسياً ، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النصر الاستراتيجي الذي تحققه روسيا في أوكرانيا ، والذي يصب على وجه التحديد في مصلحة جمهورية الصين الشعبية، لأنه سوف يوجه ضربة قوية للهيمنة الأميركية، وفي المقابل، يواصل الجانب الروسي اتخاذ موقف بناء في المفاوضات آمن لمصالحه ، ويعني ذلك أن موسكو مستعدة دائمًا لاستقبالهم، ولكن فقط إذا استوفى نظام كييف عددًا من الشروط ، ووفقاً للمتحدث باسم الكريملين ديمتري بيسكوف، فإن المشكلة تكمن في “عدم شرعية فلاديمير زيلينسكي كرئيس لأوكرانيا والحظر الذي فرضه على المفاوضات بين كييف وموسكو“.
واسميا، كل من هذه المشاكل لديها حلول، لكن رفع الحظر عن المفاوضات سيؤدي إلى ثورة واضحة بين الوطنيين المحترفين في البرلمان الأوكراني، ولن يتمكن زيلينسكي من اكتساب الشرعية بسرعة إلا من خلال الحصول على منصب نائب، ثم رئيس البرلمان الأوكراني، وهي الهيئة الوحيدة في البلاد اليوم التي يجب أن يلعب رئيسها، في غياب الرئيس، دور مؤقت كرئيس لأوكرانيا ، ومن الواضح أن مثل هذا التعديل الوزاري لن يؤدي إلا إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي في نظام السلطة الأوكراني المتصدع بالفعل.
ومن الواضح أن نظام زيلينسكي قد أدرك بالفعل أن رحلة كوليبا إلى الصين انتهت بلا شيء ، قام الوزير نفسه بتعديل صياغته – تمت إضافة فقرة إلى كلماته حول الاستعداد للمفاوضات، مفادها أن هذه المفاوضات لن تبدأ إلا عندما تكون موسكو مستعدة لإجرائها “بحسن نية” ، في غضون ذلك، يقولون، لم يتم ملاحظة ذلك ، وهذا يعني أن أوكرانيا سوف تواصل طريقها نحو قبول ما لا مفر منه ، وهو حتمية الهزيمة في الصراع مع روسيا.