«عملية يوم الأربعين»
كتب / أسامة خليفة
البيان الثالث بيان الحقيقة الساطعة، سردية المقاومة الصادقة التي أوفت بما وعدت به، بالرد المؤلم على استشهاد القائد الكبير فؤاد شكر، وعلى العدوان على الضاحية الجنوبية في بيروت، شنت المقاومة الإسلامية في لبنان فجر يوم أمس الأحد 25/ 8 هجوماً جوياً بعدد كبير من المسيرات والصواريخ نحو العمق الاستراتيجي الإسرائيلي، النجاح المؤكد في وصولها إلى أهدافها في 11 قاعدة وثكنة عسكرية، تم استهدافها وإصابتها، من ضمنها هدف عسكري إسرائيلي نوعي حدد صفاته وضوابطه البيان الثالث. النجاح الآخر للمقاومة هو في التغلب على كل إجراءات الحيطة والاستنفار الشامل، وأعلى درجات الجهوزية، وادعاءات قادة العدو بسيطرة جيشهم ووسائط دفاعه الجوي على الوضع الميداني لإفشال عملية الرد، ومنعها من تحقيق أهدافها، نجاح للمقاومة تحقق رغم الحشود العسكرية الأميركية، وتقديمها المساعدة غير المحدودة لإسرائيل بالسلاح والمعلومات.
في البيان الأول قال الحزب إن عمليته «عملية يوم الأربعين» « أربعين الحسين سيد الشهداء» بدأ الهجوم الجوي بعدد كبير من المسيّرات نحو العمق الصهيوني، وباتجاه هدف عسكري إسرائيلي نوعي سيعلن عنه لاحقا. وأكد أنه وبالتزامن مع ذلك، تم استهداف عدد من مواقع وثكنات العدو، ومنصات القبة الحديدية في شمال فلسطين المحتلة بعدد كبير من الصواريخ، وسيُصدر بياناً تفصيلياً بشأن مجرياتها وأهدافها.
وفي بيان ثانٍ قال الحزب، إن عدد الصواريخ التي أُطلقت حتى الآن تجاوزت 320 صاروخا تجاه مواقع العدو طالت 11 قاعدة وثكنة عسكرية، تم استهدافها وإصابتها في شمال فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل، معلناً الانتهاء من المرحلة الأولى من الرد على اغتيال شكر.
وفي البيان الثالث اتضحت الصورة الكاملة لعملية يوم الأربعين، فكان النجاح الثالث في المعركة الإعلامية، حيث تبين صدق المقاومة وكذب نتنياهو المنافق، وخداعه لجمهوره. واتضحت سرديته الخائبة، حين أعلن أن الجيش الإسرائيلي قد شنّ ضربات واسعة استباقية في جنوب لبنان لإحباط هجوم كبير من قِبل حزب الله، وأن100 طائرة حربية إسرائيلية شنّت غارات، على أكثر من 200 هدف بجنوب لبنان، كل ذلك ونجحت المقاومة في إيصال المسيرات إلى أهدافها.
كما نجحت المقاومة في التحضير لعملية الرد، فأحسنت التوقيت واختيار الأهداف المنتقاة، ووضعت ضوابط وعناوين بعد دراسة وحكمة وتأنٍ، فعلى الرغم من استشهاد مدنيين لبنانيين في الاعتداءات الإسرائيلية إلا أن المقاومة حرصت على ألا يكون الهدف مدنياً، لتكريس معادلة هي حماية المدنيين اللبنانيين وتجنيبهم أي عدوان يلحق بهم. وأن يكون الهدف عسكرياً له صلة بعمليات الاغتيال، قاعدة عسكرية ترتبط بالمخابرات العسكرية أو بسلاح الجو الإسرائيلي. وأن يكون الهدف العسكري قريباً من تل أبيب لما لهذا العمق داخل الكيان من رمزية تتعلق بالسيادة وما يسمى بالمنعة والسياج الأمني المتين.
وقع الاختيار على الوحدة 8200 وحدة الاستخبارات الإسرائيلية، وهي مسؤولة عن التجسس الإلكتروني عن طريق جمع الإشارة، والتنصت وفك الشفرة. وجمع المعلومات، وهي مسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي، ومسؤولة عن تحديد بنك الأهداف، وتقوم بالحرب النفسية والتضليل. الموقع ركن أساسي للقوة العسكرية الإسرائيلية، كل هذه الأدوار التي يضطلع بها هذا الموقع تبين مدى لأهميته ومعنى اختيار المقاومة له لاستهدافه، والرمزية الكامنة وراء اختياره كهدف أساسي إلى جانب الأهداف الفرعية، كما أن الاستخبارات العسكرية «أمان» ذو صلة بعملية اغتيال فؤاد شكر.
ما رسائل هذا الاستهداف؟.
هي رسائل موجهة للأميركي والإسرائيلي تحمل بعداً سياسياً واستراتيجياً، فقد أتت هذه العملية في ظروف استنفار الأساطيل الأميركية، ورئيس أركان الولايات المتحدة موجود في المنطقة لحماية اسرائيل وليس لخفض التصعيد، ولو كانوا يريدون خفض التصعيد لوجب ردع نتنياهو وإيقاف حربه الاجرامية على غزة، كان الظن أنها حشد الأساطيل والغواصات وغيرها من الطائرات الحربية والتهديد بالحرب المفتوحة، ستردع المقاومة عن الرد الموعود، لكن الرد يدل على أن المقاومة سيدة نفسها لا تخضع للضغوطات التي مورست عليها من القريب والبعيد. إن الرسالة الأهم هي رسالة قوة، فالمشهد يعبر عن شجاعة المقاومة ومن يؤيدها ويساندها مع كل التهويل الأميركي، اتخاذ القرار يدل على صلابة المقاومة صمودها اتقانها حضورها بمقابل مشهد الرعب في الكيان، إن الزمن الذي كانت اسرائيل تحدد فيه البداية والنهاية قد فات وولى بلا رجعة، فالحرب إذا بدأت فلا يستطيع من بدأها أن ينهيها، و لا يستطيع من يبدأها تحديد رد المقاومة ومداه وقوته.
مقابل النجاح الذي حققته المقاومة نلمس الإخفاق والفشل الاستخباراتي والعسكري والإعلامي، الذي وقع فيه العدو، فقد ثبت كذب قادة العدو أن جيشهم قام بعمل استباقي، فحمى تل أبيب ومواقعه الحيوية والبنية التحتية من أن تصاب بأي أذى، ولو افترضنا أنه استباقي، فهو لم يؤثر على منصات إطلاق الصواريخ، ولا على المجاهدين ولا المقاتلين، كل مرابط المسيرات عملت، والمسيرات عبرت الحدود اللبنانية الفلسطينية باتجاه الأهداف المحددة، رغم كل القصف الذي كان عدواناً وليس عملية استباقية لم يرتق أي شهيد، وانجزت العملية كما خطط لها بدقة، وكل العملية بمرحلتيها تمت بنجاح.
شارك نتنياهو منذ الصباح برواية سردية العدو شخصياً وباسم الجيش، مؤكداً أنهم اكتشفوا العملية وقاموا بعمل استباقي، وأفشلوا العملية واحتفلوا بنجاحهم، هذه السردية تحفل بالأكاذيب، صرحوا بأرقام، ثم بدأوا بتعديلها وتصحيح بعض المعطيات قبل الساعة السادسة، كان الحديث عن 8000 صاروخ ومسيرة، ثم نزلوا إلى 6000 من الصواريخ الاستراتيجية البالستية بعيدة المدى ثم صححوا بعد الظهر أنها قصيرة المدى، مما يدل على ارتبالك العدو وفشله وعدم وجود معلومات استخباراتية لديه.
لماذا تأخر الرد؟. ذكر السيد حسن نصر الله عن أسباب التريث:
– حجم الاستنفار الأمني والاستخباراتي البري الجوي الأميركي والإسرائيلي، والاستعجال قد يؤدي إلى الفشل.
– التأخير كان عقاباً للعدو ، كان لابد للاستنفار والتعب النفسي والمعنوي والاقتصادي والمالي أن يستمر وسيستمر.
– التأخير للدراسة والتشاور، هل يرد محور المقاومة كله في يوم واحد أو يتم الرد بشكل منفرد؟.
– إعطاء فرصة ووقت لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، لأن الهدف من التضحيات هو وقف العدوان على غزة. لكن المفاوضات طويلة وأفقها غير واضح، والأميركان غير جادين في وقف إطلاق النار، لإنها تستطيع الضغط على اسرائيل لوقف العدوان. يقول السيد حسن نصر الله أنه قبل التحدي رغم الاستنفار القائم، ولا يوجد مصلحة للمقاومة بتأخير الرد.
بعد كل هذا تساءل السيد حسن نصر الله: هل أقفل الملف؟. وقال: نحن نتابع تكتم العدو عما جرى في القاعدتين، خصوصاً في غيليلوت، وإذا كانت النتائج مرضية، سنعتبر أن عملية الرد قد تمت، وإذا لم تكن النتيجة كافية سنحتفظ بحق الرد في وقت قادم، ما بدأناه سنكمله ان نتخلى عن إسناد غزة ولا عن مقدسات الأمة الإسلامية في فلسطين، مهما كانت التهديدات والتحديات والتهويلات والتضحيات.