مأساة العصر وتاريخ المقاومة اللبنانية
كتب / د. عامر الطائي
إنها مأساة البشرية أن يقف العالم صامتاً، متجاهلاً أو متواطئاً، أمام الجرائم الفظيعة التي يرتكبها العدو الصهيوني يومياً في لبنان. إنه صمت يندى له جبين الإنسانية، فبينما يُقتل الأطفال والنساء، وتُقصف المنازل وتُدمر، تقف القوى الكبرى والمخابرات العالمية متفرجة بل داعمة، في صمت يتساوق مع الجريمة نفسها، جريمة قتل الإنسانية وقيم العدالة.
إن لبنان الشامخ، لبنان المقاومة، يقف اليوم في قلب العاصفة. أرضه هي ميدان المعركة، وشعبه يدفع ثمناً غالياً في مواجهة هذه الغطرسة الصهيونية التي لا تعرف حدوداً في وحشيتها. هذا العدو الصهيوني، المدعوم من قوى الغرب ومخابرات العالم، يسعى لتدمير كل شيء: البشر والحجر، الشجر والحيوان. لا يرحم طفلاً ولا امرأة، يقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها دون أن يرف له جفن.
ورغم ذلك، نجد العالم الغربي والمنظمات الدولية التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان، تصمت وكأنها لم ترَ شيئاً. هذا الصمت المريب والتجاهل المتعمد إنما يكشف عن وجه النفاق العالمي، حيث تُعقد المؤتمرات وتُكتب البيانات، ولكن لا يُتخذ أي موقف حقيقي إزاء هذه الجرائم اليومية. بل إن الدول الكبرى تقف بوضوح إلى جانب الكيان الصهيوني، تدعمه سياسياً وعسكرياً، وكأنما حقوق الإنسان هي حكر على من يدور في فلكها.
لكن في المقابل، نجد هناك وجهاً آخر للبشرية، وجه الخير، وجه المقاومة اللبنانية وحزب الله. هؤلاء الأبطال الذين يقفون في وجه هذا التوحش الصهيوني بقلوب مؤمنة وصبر لا يُقهر. لقد قدموا دروساً خالدة للبشرية عن معنى الصمود والكرامة، وعن عظمة الإسلام في التعامل مع الأعداء. ورغم أن المقاومة اللبنانية تمتلك القوة للرد، فإنها تلتزم بمبادئ الإسلام التي تمنع قتل الأبرياء والمدنيين. فالمقاومة تستهدف المواقع العسكرية للعدو، مصانع الحرب ومقرات الموساد الصهيوني، مدركة أن الجريمة الحقيقية تتحملها الحركة الصهيونية، وليس المدنيون الذين قد يكونون مغلوبين على أمرهم، رغم الأفكار البائسة التي زرعها العدو في نفوس اليهود.
لقد أثبتت المقاومة اللبنانية أن معركتها ليست فقط معركة عسكرية، بل هي معركة أخلاقية وإنسانية، معركة بين الحق والباطل. ففي الوقت الذي يسعى فيه العدو الصهيوني لإبادة الحياة، تقدم المقاومة نموذجاً حياً لعظمة الإسلام، في صموده وفي تسامحه، إذ أن المقاومة لم تنجرّ إلى مستوى الوحشية الصهيونية، بل التزمت بأخلاق الإسلام في الحرب، حيث لم تستهدف المدنيين رغم قدرتها على ذلك.
إن هذه التضحيات التي يقدمها رجال حزب الله والمقاومة اللبنانية لم تكن فقط في ميدان المعركة، بل هي تضحيات تمثل دروساً للعالم أجمع، عن معنى الكرامة الحقيقية ومعنى الجهاد في سبيل الله. هؤلاء الرجال الصابرون المؤمنون قد أصبحوا مثالاً يُحتذى به في كيفية الدفاع عن الأرض والشرف، وكيفية الثبات على الحق حتى لو تخاذل العالم أجمع.
نقول للعالم الذي يصمت ويقف متفرجاً أمام هذه الجرائم: إن التاريخ لن يرحمكم، وإن المقاومة اللبنانية ستبقى رمزاً للحق والعدالة في وجه الغطرسة والظلم. لقد علمتنا المقاومة درساً أن الصبر والثبات هما السبيل للنصر، وأن العاقبة للمتقين.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.