الدولة تحلب المواطن
كتب / ماجد الخفاجي
ربما تكون الدولة متوهمة أن متوسط دخل الفرد العراقي يضاهي دخل الفرد الكويتي مثلا والبالغ أكثر من 6000 دولار شهريا ، وأن كلفة معيشة هذا المواطن شهريا لا تتجاوز 700 دولار ! ، أقول ربما متوهمة لأن نظرها القصير جدا (إن كان لها نظر) تقيس مستوى الفقر على ما تجده من سيارات تملأ الشوارع أمثال (لكزس وجي كلاس) ، والكثير منهم يعيّرنا أن لا يوجد فقير في العراق ، والفرد العراقي على عكس نظيره الكويتي قد يتسلم 700 دولار شهريا في أحسن الأحوال ، لكن الحدود الدنيا لمعيشته قد تتجاوز 1000 دولار ! ، وحقيقة أتعجب من مظاهر قيادة سيارات ربما لا تمتلكها حتى الإمارات لسيارات فارهة في احياء بغداد الراقية ، من قبل شبان وفتيات صغيرات ، ولولا معرفتي بالفئات الشعبية المسحوقة بل لمعايشتي لها ، والتي تؤلف الغالبية من المواطنين ، كنت سألت نفسي ، أين الفقر إذن ؟!.
أمس راجعت دائرة مرور الرستمية في الثامنة صباحا ، على أمل تجديد إجازة السوق خاصتي ، التسهيل الوحيد الذي شهدته هو إستيفاء الرسوم بواسطة بطاقة الدفع !، تدفع أولا 35 الف دينار لصندوق دعم شهداء الشرطة ، وأقر أنهم أكرم منا جميعا ، لكن مَن حدد هذا المبلغ ؟ وهل الدولة عاجزة عن دعم هذه الشريحة ؟ ، أجور فحص البصر الذي لا يتجاوز 40 ثانية ، لماذا تم تحديد هذا الرسم البالغ 26 ألف و250 دينار ؟ الله ، ما هذه الدقة ؟! ، ومرة أخرى مَن وضعها ؟ وما هي معاييرهم في التسعيرة ؟.
لكن الزحام نفسه ، الأخطاء بالجملة نفسها ، بالأسماء ، وأرقام الشاصي ، والتواريخ ، والمواليد التي تحولت من 1948 إلى 1984 ، وبجنس المركبة ، مثلا كيا حمل أم ركاب ، أم صالون ! ، وغيرها كثير ، تجعل المواطن يلف نفس اللفة المكوكية السخيفة لتصحيح خطأ ليس من ذنبه ، وصلت الساعة 12 إلى شباك الفرج الذي يسمونه التدقيق ، وقفت في الطابور مدة 35 دقيقة ، وأقسم بالله لم أغادر بلاطتي التي أقف عليها ! ، فقررت ترك الدائرة على أمل العودة ثانية .
المفاجأة الجديد هي إستيفاء مبلغ 65 الف دينار لغرض إصدار بطاقة الاجازة ، وكان مجمل الرسوم 126الف و250 ، أليس هذا كثير ؟ إن كانت رواتبكم عالية وربما تستحصلون عشرات أو مئات أضعافها بطرق غير مشروعة وهنا أتكلم عن الدولة عموما ، وأنتم تجدون أن هذا المبلغ الذي إستقطعته من عائلتي تافها ، فهو ليس كذلك بالنسبة لي ، فنحن لسنا أمثالكم ، فمديرية المرور تبيع الأرقام الخاصة للأغنياء فقط بأسعار مهولة ، وبإمكانهم تظليل زجاج سياراتهم مقابل رسوم 4 ملايين دينار سنويا فقط ، يا بلاش !، أما الفقير ، فليحترق بجحيم الشمس !، هذا يذكّرني بماراثون المنفيست السيء الصيت ، فقد أستوفوا من البعض أجور الكمرك ، فيما الغوا كمرك النصف الثاني من السيارات ! . أليس هذا يعني أن الدولة تجبرك على سلوك طرق جانبية ممهدة بالباطل ، أكثر من الطرق المستقيمة التي سلكناها لكنها مليئة بالحفر ؟! .
أما الغرامات المرورية التي صارت كابوسا ، فتلك مسألة تقض مضاجعنا ، أليس فيكم رجل رشيد يؤمن بحكمة (إرحموا مَن في الأرض ، يرحمُكم مَن في السماء) ؟!.
دولة تعج بمنتحلي مناصب حساسة وعالية ، دولة أهملت كل شيء حتى صارت أحيائنا قبورا تسكنها الأحياء بسبب العشوائيات والبناء المتراكم بسبب غياب تنمية الإسكان ، أين كنتم منذ سنين طويلة ، والناس تبني طابقا ثالثا ورابعا أمام مرآكم ، أو تحويل المساكن إلى مجموعة من علب السردين والتي يسمونها (مشتملات) ، أين كنتم وأنتم ترون أن الأرصفة قد أغتصبت ؟، حتى فكرتم بتغريمها غرامات من المستحيل تسديدها ؟ ، ما سر إرتفاع ضرائب العقارات ؟ من المسؤول عن ذلك دون أي إستشارة بحيث يتدخل السيد رئيس الوزراء شخصيا لإيقاف العمل بها ؟ ، أين ستذهب هذه المبالغ الفلكية ؟ هل نحن بإنتظار سرقة قرن أخرى !؟ ، بحيث تكون بيد من لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة ، ليهربوا بها خارج العراق ، وبمنأى عن القضاء !! ، ألا يكفيكم غول الغلاء الذي يفتك بنا كل يوم ؟!.
دولة جعلت المواطن في آخر إهتماماتها (والوقائع تقول أنها شطبته من القائمة ) ، فهل تعلمون ، ان المواطن إن إستطاع إدخار مبلغ مليون دينار من راتبه الشهري (عدا مصروف المعيشة) وهذا شبه مستحيل للغالبية العظمى من الموظفين ، لن يستطيع شراء عقارا في أكثر أحياء بغداد تواضعا بمساحة 150 م² إلا بعد 40 عاما ! ، أو 800 سنة في الجادرية !! .
أية دولة لا تستطيع مجرد إخبارنا عن مصادر التلوث الذي دمر عاصمتنا بل لا تستطيع إيقافه ؟ تارة يعزون ذلك إلى المصافي ، التي صار لها دهرا وهي تعمل دون أي شكوى ، وتارة حرق النفايات أو معامل صهر النحاس وغيرها ، ومن منبري المتواضع هذا ، أدعو الدولة إلى إلغاء وزارة البيئة ، بدلا من المصروفات (الجامدة) على حد قول إخواننا المصريين ،التي تستهلكها من الدولة دون جدوى على الإطلاق !، يتشدقون أن هذا العام هو عام “المنجزات” الغير مسبوقة ، كذبتم والله ، فالكهرباء في أسوأ حالاتها منذ عام 2003 ، ففي هذا الجو المعتدل تأتي لساعة واحدة بعد كل 6 ساعات إنقطاع ، و”الدولة” تسعّر 11 الف دينار للأمبير، دون تجهيز أصحاب المولدات بالوقود ، وكالعادة ، لا يُحترم قرار الدولة ، ولازال الماء لايصل إلى حوض الغسيل !..