تهريب الأدوية للبلاد : حقائق بلا أسرار
كتب / د. باسل عباس خضير …
أعلن جهاز الأمن الوطني ( قبل أيام ) عن قيامه بإحباط عمليات تهريب ( 2 ) مليوني علبة دوائية ، وتلك ليست العملية الأولى بل سبقتها العشرات في بغداد والمحافظات والتي تم فيها الاستيلاء على عشرات او مئات الأطنان من الأدوية البشرية ، ومهزلة تهريب الأدوية للعراق لم تنقطع وهي عملية مستمرة منذ سنوات ، ومن المؤكد إن الأدوية التي يتم ضبطها لا تشكل إلا نسبة من مجموع ما يدخل من أدوية التهريب رغم ما تبذله الأجهزة المعنية من جهود بهذا الخصوص ، والأدوية التي يتم إدخالها من خلال التهريب تذهب إلى مذاخر الأدوية ومنها إلى الصيدليات الأهلية باعتبارها المنافذ لتصريف الدواء للمواطنين ، والمواطن لا يمكن له إن يميز بين الدواء المهرب والدواء المستورد رسميا ، فالقضية تمتد لأكثر من ذلك من خلال الكشف عن أطنان من الأدوية منتهية الصلاحية التي تحفظ في أماكن او بيوت لغرض تغليفها او تعليمها من جديد لتحديد علامات مزيفة او التلاعب بتاريخ لصلاحية الدواء ، والأكثر من ذلك بكثير هو امتداد أيادي الفاسدين والجناة بتقليد الأدوية المنتجة محليا من خلال طبع ولصق العلامات ، وإذا كان مستخدمو الأدوية من المواطنين ليست له معرفة بمصدر الأدوية وصلاحيتها ومفعولها فهل يخفى ذلك على أصحاب المذاخر والصيدليات وهم من أصحاب والخبرة في موضوع الأدوية والتركيب والمصانع المنتجة عالميا او محليا او غيرها من التفاصيل ؟ ، وسواء كانوا يعلمون او مرت عليهم ولكن اغلبهم ( في الكثير من الحالات ) يعلم المواطن إن هناك دواء أصلي ( بسعر مرتفع ) وآخر مقلد ( بسعر اقل ) ، كما إن بعضهم يشرح للمشتري تفاصيل عن منشأ الدواء فيقولون هذا سامراء او هذا هندي او إماراتي او مصري او أوروبي او غيرها من التسميات .
والبعض يقول ، إن دخول الأدوية المهربة مسالة اعتيادية في العراق حالها حال العديد من السلع الأجنبية التي تدخل للأسواق من خلال التهريب ، ومنها على سبيل المثال المخدرات والمشروبات الكحولية والدخان ( السكائر ) فالمخدرات محرمة بموجب قانون العقوبات والكحولية ممنوعة على وفق قانون ( البلديات ) من التصنيع والاستيراد ولكنها متواجدة في محلات بيع الخمور ، كما إن اغلب السكائر الداخلة ليست من مناشيء رصينة واستيرادها غير مسموح به بموجب التعليمات من حيث التحذير ونسب النيكوتين والقطران ولكنها تباع و تستهلك بكميات كبيرة من قبل المدخنين ، ولا ننفي حقيقة وجود السلع المهربة ولكن للأدوية خطورة بالغة لأنها وجدت للاستشفاء والمهرب منها أما ضعيف او عديم الفاعلية او انه يحدث مضاعفات عند التفصد بتغيير تركيبته او انه يحدث أضرار جانبية أكثر من آثار المرض الذي يستخدم لأجله او إن لها غايات غير واضحة للعيان ، وهذه الاحتمالات قائمة بالفعل لان اغلب الأدوية التي تباع مباشرة في ( الصيدليات ) لا تتم من خلال وصفة طبية بل من خلال ( By Hand ) لان مهنة الصيدلة الإنسانية امتدت لبعضها نوايا الربح الفاحش والاستثمار والفساد ، وتتقاسم عدة جهات المسؤولية عن دخول وتداول الأدوية المهربة ، ولكن من يتحمل كامل المسؤولية المذاخر والوكالات التي تقبل التعامل بالأدوية المهربة حتى وان كانت ليست طرفا في التهريب ، فالتداول بالدواء يستند إلى أسس ومعايير حددتها اللجنة الوطنية لانتقاء الأدوية وقسم تفتيش المؤسسات الصحية الخاصة في دائرة التفتيش من حيث منشأ الدواء والشركة المنتجة وشهادة الفحص من مختبر الرقابة الدوائية ، كما تتحمل النقابات الطبية المهنية جانبا من المسؤولية كونها تحدد وتراقب السلوك المهني إلى جانب أجهزة الدولة المتخصصة بهذا النوع .
وتهريب الأدوية للبلاد مسالة خطيرة ويجب أن تدخل ضمن فقرات ( الإرهاب ) ، لأنها تحدث أضرارا بالإنسان في تأخر الشفاء او حدوث الأضرار الجانبية او الوفاة ، كما أنها من الجرائم الاقتصادية لان استيرادها لا يتم من خلال القنوات الرسمية للتحويل فاغلبها تمول من خلال شراء الدولار من الأسواق ( السوداء ) وبشكل يزيد الطلب على العملات الصعبة ، فضلا عن أنها لا تخضع للرسوم الكمركية وتسبب خسائر اقتصادية في إلايرادات والحالات التي يتم الكشف عنها تؤكد ضخامة الأدوية المهربة ، ونشير بهذا الخصوص إلى خطورة دخول الدواء المهرب نظرا لحجم استيراد الدواء من الخارج ، حيث لا يغطي الانتاح المحلي أقل من 20% من الحاجة الفعلية ، وتقدر قيمة ما يحتاجه البلاد من دواء من خلال الاستيراد أكثر من 3 مليارات دولار ، و إذ نتكلم عن هذا الموضوع فإننا لا نقصد الأدوية الداخلة للبلاد من خلال الشركة العامة لتسويق الأدوية او من خلال الاستيراد الأصولي ، ونشير بهذا الخصوص إن الأدوية المهربة تباع بأسعار الأدوية الداخلة رسميا دون تمييز ، وبغض النظر عن مشروعية استيراد الدواء فان المواطن يعاني من ارتفاع الأسعار تصاعديا دون أي انخفاض وأحيانا يرتبط ذلك بالتغير في أسعار صرف الدولار ، إنها قضية معقدة ومن المؤكد إن هناك تماسيح تقف خلف تسهيل تهريبها ، فإيراداتها مغرية وإدخالها يتم من خلال المنافذ غير المسيطر عليها او من خلال الفساد ، وهي قضية مستمرة وغير قابلة للتوقف في ظل غياب المنتج المحلي في سامراء والقطاع الخاص وفي ظل الوعود المؤجلة من نقابة الأطباء بطبع الوصفات من قبل الأطباء او في تعليم وتسعير الأدوية بوعود نقابة الصيادلة ، وفي ظل وجود الأيادي الخفية التي لا تريد الخير للعراق شعبا وبلاد .