حين سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
كتب / د. عامر الطائي ||
في قلب جنوب لبنان، بين سهوله وجباله، وقفت قرى صغيرة كـ”الخيام” و”كفركلا” شاهدة على ملحمة صنعتها إرادة لا تعرف الخوف. هنا، في هذه الأرض التي ظن العدو يومًا أنها ستكون سهلة المنال، تحطمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
لم تكن المقاومة اللبنانية مجرد بندقية على الكتف، بل كانت عقيدة راسخة بأن الكرامة أغلى من الحياة، وأن الوطن ليس أرضًا تُباع وتُشترى، بل شرف يُدافع عنه. في كل مواجهة، كانت المقاومة تصوغ معادلة جديدة، معادلة تقول: “لن نكون في 1948 أو 1967، نحن هنا أسياد قرارنا”.
حين دقّت طبول الحرب، كان العدو يحمل في جعبته أهدافًا سياسية وعسكرية، لكنه لم يدرك أن جنوب لبنان ليس ساحةً فارغة، بل أرضًا مقدسة مليئة بالصامدين. وكما قال أحد رموز المقاومة: “كل الأهداف الإسرائيلية سقطت على أعتاب الخيام وكفركلا”. لم تكن تلك الكلمات مجرد خطاب، بل حقيقة نقشتها الدماء والتضحيات.
في تلك اللحظات، لم يكن الصمود خيارًا بل واجبًا. واجه المقاومون عدوًا يملك أحدث التقنيات وأقوى الأسلحة، لكنهم امتلكوا شيئًا أقوى: الإيمان بالقضية. ومع كل يوم يمر، كان العدو يتراجع، يُجبر على إعادة حساباته. كما قال أحد قادة المقاومة: “لا نتحدث عن مبالغات، وإنما عن صامدين فرضوا على العدو أن يأتي إلى وقف إطلاق النار”.
وفي اليوم التالي للحرب، وقف أبناء الجنوب والبقاع والضاحية يرفعون راية المقاومة، راية
التحرير، كأنهم يقولون للعالم: نحن لم ننتصر فقط على عدو، بل انتصرنا على الخوف، على اليأس، وعلى محاولات إخضاعنا.
لكن العدو، رغم هزيمته العسكرية، حاول فرض شروطه السياسية. أراد أن يضع قيودًا على انتصار المقاومة، لكن الورقة التي خرجت من لبنان كانت مختلفة تمامًا عن تلك التي دخلت. فقد أدرك الكيان الصهيوني أن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن تُكسر، وأن المعركة ليست مجرد حسابات سياسية، بل معركة مصير.
ورغم كل محاولات العدو لبث الخوف في قلوب المدنيين، كانت قيادة المقاومة صامدة، ثابتة، واضحة في رسالتها: “المواجهة حتى اللحظات الأخيرة”. هذه الصلابة لم تكن مجرد كلمات، بل كانت واقعًا أثمر إنجازًا تاريخيًا، ليس للبنان فقط، بل لكل من يرفض الذل والهزيمة.
لقد أثبتت المقاومة اللبنانية أن القوة الحقيقية لا تكمن في حجم السلاح، بل في إرادة الأحرار. وهكذا، كُتب فصل جديد في تاريخ الصراع مع الاحتلال، فصل عنوانه: “حين سقطت إسرائيل أمام أبطال المقاومة”.
هذه الملحمة لن تُنسى، لأن الشعوب التي تكتب تاريخها بالدماء لا تموت، والمقاومة التي تواجه حتى اللحظة الأخيرة ستظل رمزًا لكل من يناضل من أجل الحرية والكرامة.