صفقة استراتيجية أم تضحية بالسيادة؟ شروط واشنطن لرفع المعارضة السورية من قائمة الإرهاب
كتب / كامل المعمري
تصريحات الخارجية الأمريكية بشأن إمكانية إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات عنها، التي ربطتها بما يُسمى “الأفعال لا الأقوال”، تعكس ابتزازا واضحا للجماعات المسلحة في سوريا او مايسمى بالمعارضة السورية وانحيازا يخدم المصالح الإسرائيلية في سوريا.
ففي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تكثيف عدوانها على الأراضي السورية، مستهدفة المنشآت العسكرية والتوسع في احتلال المزيد من الأراضي، تمضي واشنطن في تقديم غطاء سياسي لهذه التحركات عبر فتح قنوات مع المعارضة السورية التي تسعى لتقديم نفسها كقوى معتدلة
الصمت المطبق من قبل القوى الجديدة في سوريا تجاه هذا العدوان الإسرائيلي يثير علامات استفهام عميقة حول أهدافها الحقيقية ودورها في المشهد الراهن.
فبدلا من اتخاذ موقف وطني حازم ضد الاحتلال الإسرائيلي، تبدو هذه الجماعات منشغلة بمحاولات كسب رضا الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك على حساب القضية الوطنية السورية ووحدة الأراضي.
وفي الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في توسعها العسكري واحتلال المزيد من الأراضي السورية، فإن ما يُشاع عن رفع بعض القوى الجديدة مثل جبهة تحرير الشام من قائمة الإرهاب يطرح تساؤلات كبيرة حول الأثمان التي ستكون المعارضة السورية مضطرة لدفعها. تصريحات الخارجية الأمريكية حول رفع هذه القوى من قائمة الإرهاب، تؤكد بطريقة غير مباشرة انها ستكون مشروطة بعدة امور منها
1- الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، وفرض واقع جديد على الحدود اللبنانية السورية اما بنشر قوات دولية على تلك الحدود او ضمان حرية التحرك لكيان الاحتلال بحجة ضمان عدم تهريب اسلحة لحزب الله
2- قبول القوى الجديدة في سوريا الدخول في عملية تطبيع سياسي واقتصادي مع إسرائيل، بما في ذلك فتح قنوات دبلوماسية وتوقيع اتفاقيات سلام مشابهة لتلك التي تمت مع بعض الدول العربية في إطار “اتفاقيات إبراهام”.
3- إيقاف أي دعم لحركات المقاومة الفلسطينية أو حزب الله في لبنان، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى تحجيم هذه الحركات في المنطقة وضرورة معاداة إيران وحزب الله وروسيا سيكون جزءا أساسيا من الشروط التي قد تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل على قوى المعارضة السورية في مقابل رفعها من قائمة الإرهاب
4- الالتزام بالسياسات الغربية، بما في ذلك الحفاظ على علاقات قوية مع الدول الغربية والتحالفات الدولية، مع التأكيد على تجنب أي تقارب مع روسيا وايران أو دول أخرى تعتبرها الولايات المتحدة عدوة.
5- موافقة المعارضة السورية على منح الأكراد حكما ذاتيا موسعا في المناطق الكردية بشمال سوريا، بل وربما الاعتراف بشبه استقلالية إدارية. يمكن أن يشمل ذلك اتفاقا سياسيا حول تقاسم السلطة بين القوى الكردية والسورية المركزية، في إطار مصلحة الولايات المتحدة وأوروبا لدعم الأكراد مقابل الحصول على الدعم العسكري ضد تنظيمات أخرى في المنطقة.
6- القبول بترتيبات امنية جديدة تشمل هذه الترتيبات السماح لإسرائيل بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية،الجديدة التي قامت باحتلالها وتقييد أي محاولات لبناء جيش وطني قوي قادر على تهديد أمن إسرائيل مستقبلاً.
الجغرافيا السياسية لسوريا قد تتغير بشكل جذري، حيث قد تفرض إسرائيل واقعا يساهم في تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متعددة، ما يعزز الأجندة الإسرائيلية الخاصة بتفتيت سوريا وتقليص أي تهديدات مستقبلية.
رفع قوى المعارضة السورية من قائمة الإرهاب سيكون مشروطا بترتيبات سياسية استراتيجية تهدف إلى تحقيق مصالح إسرائيلية وأمريكية في المنطقة في المقابل، قد تجد المعارضة نفسها مضطرة لتقديم تنازلات كبيرة على حساب السيادة الوطنية السورية
في النهاية، يبدو أن صمت قوى المعارضة السورية أمام العدوان الإسرائيلي هو بمثابة التواطؤ السياسي، الذي لا يقل خطرا عن الاحتلال نفسه. عندما يصبح التطلع إلى إرضاء واشنطن وتقديم التنازلات لإسرائيل أولوية، فإن ذلك يعكس انفصالا تاما عن معاناة الشعب السوري وقضية فلسطين العادلة.
المعارضة التي تلتزم الصمت وتعتقد أن التعاون مع الولايات المتحدة هو الطريق إلى الانتصار، لا تدرك أنها تبيع سوريا لتجار السياسة الكبرى، وتضيع معها آمال الشعب السوري في استعادة حريته وكرامته.