في تشييع الرجل.. والتقييم.. والخطأ الاستراتيجي
كتب / فؤاد البطاينة
لمن يحاسبون المقاومة، وكمفهوم عام، عليهم أن يعرفوا بأنها نهج رافض ومواجه للإحتلال أو الإستعمار، يقوم على الصمود والثبات والنفس الطويل، ولا يعتمد أو يُقيّمُ بمعركة أو جولة سواء ربحها الطرف المقاوم أو خسرها. والنهج الذي يُقابِله هو نهج الإستسلام للعدو. والإستسلام لا يحتمل الحيادية والإستقلال، بل الرضوخ للعدو ولخدمته. وفي حالتنا كان احتلال فلسطين سبب الصراع وجذره. وبالتالي تكون مواجهة الإحتلال هو المعيار لسلامة التوجه والمواقف. ولدينا في المنطقة محوران، محور السلام، وما هو إلّا محور الإستسلام، ومحور المقاومة وهو ما نلقي عليه نظرة تقييمية .
القصة في أن إيران بقيادتها الشيعية المذهب، هي من أنشأت محور المقاومة وترعاه، وكانت الساحة العربية خالية من محور مقاومة فلم تنافس أحداً. واتخذ المحور الأخر “المذهبية والأطماع الإيرانية” ذريعة بدفع من أمريكا للهجمة التي لم تتوقف على المقاومة. ثم ذريعة لفئات من شعوبنا لمعاداة هذا المحور بدفع من أنظمتهم وبشحن مذهبي تفوق في صدورها على كل القيم الإسلامية التي تفرض أولوية مواجهة الحرب الصهيوأوروبية على الإسلام، وعلى أولوية مقاومة احتلال فلسطين بمقدساتها وذبح شعبها. حتى أصبحت مع أنظمتها تتمنى وتراهن على انتصار أمريكا واليهود الصهاينة على المقاومة وسحقها. بمعنى أنهم يناصرون بقلوبهم المحتلين والمدعين بفلسطين والأقصى ومن لعنهم الله وغضب عليهم ليوم الدين. أين هذا من التعريف الإسلامي للمنافقين؟
قبل الإسهاب في الحديث. أتوجه مرضاة لله تعالى، باسم كل مسلم وعربي وفلسطيني صادق وحر، بتقديم أحر العزاء لسيل الدماء الطاهرة للألاف من الشهداء والجرحى من إخوتنا الشيعة، إخوتنا في العروبة والإسلام، التي سالت على يد الامريكان واليهود الصهاينة خلال السنة الفائتة على الأقل، على خلفية مناصرة طوفان الأقصى الفلسطيني الغزي المبارك. ونحتسبهم مع ما يقارب المائتي ألف شهيد ومصاب فلسطيني، أحباباً لله ومقامهم عليين.
ad
وطوفان الأقصى هذا جاء بقرار حمساوي فلسطيني مقاوم خالص دون علم أو استشارة إيران أو حزب الله. ونترك السبب للمستقبل الذي بدأ يتكشف وتتكشف معه قناعة إيران بالسبب.، فإرادة الله المُطلع على الغيب هي المقضية
أبدأ التقيم المبسط، بإيران واليمن. وبهذا فإن الدول لا تنجح في أن تكون مقاومة ولا راعية لمقاومة حين تكون في مواجهة قوة عسكرية تدميرية طاغية ومتفوقة بتأثيرها العالمي سياسياً وإقتصادياً كأمريكا، ما لم تكن تمتلك الردع النووي. وللدلالة، لم تستطع روسيا على حسم حربها على أكرانيا التي ترعاها أمريكا، ولم تستطع أمريكا حسمها أيضاً نظراً لقوة الردع النووي الروسي. وفي النهاية لا بد من تسوية لصالح روسيا. وهذا ما لم يكن متاحاً لإيران لحماية نفسها والمقاومة، ولن يتاح لها قبل امتلاكها للردع النووي. وسنمر على استكمال التقييم لدور إيران خلال الحديث عن أطراف المحور
وهكذا اليمن التي عشت فيها سنوات، مع فارق أن جغرافيتها والطبيعة الجبلية انعكستا قوة وعناداً وصلابة على الإنسان اليمني، إضافة للتاريخ الذي لم يشهد نجاحاً لغازي أو مستعمر لليمن، بل أن اليمانيين شعب لا يستوعب مصطلح الهزيمة رغم تفوقهم بالذكاء والدهاء السياسي. هذا كله يصنع فرقا في الصمود. فلا يتفاجأ أحد باستمرار اليمن بإسناد غزة بوتيرة أعلى بلا اكتراث لأي اعتبار
في العراق، الطرف المقاوم هم فصائل أشبه بالميليشيات، تابعة لإيران بقرارها وبأسلحتها المحدودة الفاعلية. إلا أنها غير منضبطة في قولها وفعلها، وتوجد ضمن دولة غير مقاومة وتُحكم برأسين أمريكي وإيراني. فوجود هذه الفصائل كان تحريكيا وغرضياً في داخل العراق بشكل رئيسي ومرتبط بوضع العراق السياسي. وبالتالي، من المبالغة الإعتماد عليها أو تسميتها بطرف مقاوم
اما سورية الأسد فهي دولة منهكة باحتلالات أجنبية وبلا شعب يسندها، ولا جيش قادر على فعل شيء من واجباته النظيفة، وبمافيات من صلب النظام عصية على الضبط والسيطرة. والأخطر أن تحالفاتها مع روسيا وإيران تشمل الدفاع عن بقاء نظام الأسد كممثل للشرعية الدولية، ولا تشمل الدفاع عن سورية الوطن والشعب، ولا الجيش وتسليحه. وهذا مقابل شرعنة مصالح عسكرية لروسيا ومصالح إيران وأهمها استخدام الأراضي السورية ممرا لنقل السلاح لحزب الله. وهذا ضرورة، ولكن تُركت المقدرات والأراضي السورية مستباحة لإسرائيل بصمت الحليفين. وبالتالي لم يكن دور سورية في المحور سوى لوجستي لم تحافظ عليه إيران عندما اختزلت سورية به. وتفسيري لإهمال إيران لسورية وربما استثمارها لأغراض أخرى، هو رؤيتها لإهمال الأسد لسورية بل خيانته لها وعدائه لشعبها، وهو ما ولَّد الشكوك الإيرانية باستعداد الأسد لتوسيع تحالفاته مع اطراف دولية أخرى حتى لو كانت معادية، بهدف تأمين غرضه في البقاء بالسلطة.
أما الفصائل الغزية وعلى رأسها حماس والجهاد فقد نجحت إيران مبكرا بتنميتها كمقاومة بكل الإحتياجات. إلا أن إحكام الحصار على غزة أطلسيا وعربيا جعل من التواصل الإيراني البشري والتسليحي شبه مقطوع. لكن تأهيلها الفني كان كافيا لصمودها كمقاومة. وليس كدولة تديرها كما فعلت حماس، وكما تعاملت معها أمريكا ودمرت غزة لمحاصرة واستسلام المقاومة. والأمل كبير باستمرار صمودها الإعجازي وبالتفاف الشعب الفلسطيني والعربي حولها، إنها مركز الثقل المقاوم للإحتلال.
أما في حالة الغزيين، فأن كل مواطن عربي وكل رئيس دولة أجنبية والأمم المتحدة كأكبر منظمة حكومية دولية ذات علاقة، يعلمون بأن ما يجري في غزة من إبادة جنس حقيقية، ومحارق بشرية حقيقية وجرائم حرب فظيعة على مدنيين ليسوا جزءا من القتال، يتحمل مسؤوليتها كل حاكم عربي كمسؤولين صامتين. والذي منهم ما زال يقيم علاقات طبيعية أو دبلوماسية أو تعاون من أي نوع مع الكيان. هو بالضرورة شريكاً مباشراً له.
نأتي لحزب الله، فهو حزب سياسي لبناني ملتزم بمحددات هذه الصفة. وبنفس الوقت حزب مقاوم متكامل عز نظيره تاريخيا وعلى مساحة العالم، عقيدة قتالية وتسليحاً وتدريبا وانضباطاً وانخراطا بمجتمعه. ويلقى دعما وتأييدا من قطاعات واسعة للشعوب العربية في أقطارها. وأصبح قائده الشهيد السيد حسن نصر الله الذي ننتظر تشييع جثمانه الطاهر، صاحب الكارزما المبنية على أسسها، والقدوة للكثيرين من شعوبنا في طبيعة الزعيم العربي المطلوب، بما كرسه فيها من مصداقية المقاومة كطريق للتحرير، ومن أمل بالتحرير. إنه النموذج الذي قد لا يتكرر على المدى المنظور وأبعد.
وفي دوره بالمحور، أقول بأن نصر الله استطاع بحكمته أن يفرض احترام كلمته ورأيه على أصحاب القرار في طهران. وأن يكون حراً في اتخاذه الى حد بعيد. ولكني لا أدري بمدى تأثيره في حيثيات طبيعة المشاركة وحدودها الكارثية في إسناد معركة طوفان الأقصى، ولا بموانع تطوير استراتيجية الإسناد، وسواء كان القرار قراره أو قرار طهران فإنه الخطأ الاستراتيجي الذي لولاه لما دخل الكيان غزة ولما هاجم لبنان وحزب الله وحدث به ما حدث. مع أن كل المؤشرات كانت تؤشر على أن حزب الله هو التالي بعد غزة.
ورحل نصر الله على طريقة الخلفاء الراشدين، غدراً من القريبين منه، تاركاً الجميع في ذهول الصدمة، وبرحيله لا بمجرد رحيل شهداء البيجرات ومن تبعهم، استطاع الأمروصهيوني التأسيس لكبوة أظنها قد تطول. ونترك فك الألغاز وقراءة ما حدث ونتائجه للمستقبل، فبمثل هذه القراءات تؤخذ الدروس والعبر وتنتصر الشعوب.