سنة جديدة: ثيران وخنازير وكلاب!
كتب / د. كمال ميرزا
من أهم دروس السنة المنصرمة أنّنا اكتشفنا أنّ الخنزير هو أكثر الكائنات مبدئيّةً على وجه الأرض: يصرّ على خنزرته حتى آخر رمق!
هل نحن بحاجة لإيراد أمثلة هنا؟
لحسن الحظ أنّ معركة “طوفان الأقصى” المباركة قد كشفتْ لنا قائمةً طويلةً من الأمثلة بهذا الخصوص!
لكن للإنصاف، نحن لا نستطيع إلّا أن نلتمس الأعذار للخنازير “المسكينة”، فهي أيضاً شأنها شأن أيّ أبٍ حانٍ أو أمٍّ رؤومٍ تريد أن تكفل مستقبل “الخنانيص” الصغار من بعدها!
في ضوء هذا الواقع المستجد، هناك حاجة ماسّة لتعديل حكمة “ألا إنّني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض” الكلاسيكيّة لتدور حبكتها حول الخنازير وليس الثيران!
الحكمة المحدّثة أو العصريّة ستتحدث عن تسابق وتنافس الخنازير طواعيةً في العطن والأسن والقذارة بكونها لا تطيق العيش النظيف أو أن ترى حولها ملمح نظافة. كما أنّ الخنزرة بالنسبة لها حاجة وجوديّة وعضويّة في آن واحد لا تستطيع العيش بدونها، ولو لم تجد الخنازير شيئاً تتخنزر فيه أو عليه لتخنزرت على نفسها!
من هنا مثلاً يُقال أنّ الخنزير هو الحيوان الوحيد الديّوث الذي لا يغار على محارمه (وبالتالي هو قطعاً لن يغار على محارم غيره ويحميها)!
المشكلة أنّ لحم الخنزير ليس “كوشر”، لذا لا نستطيع الإبقاء على ثيمة “أُكلتُ” عند تعديلنا الحكمة القديمة كأن نقول: “ألا إنّني أُكلتُ يوم أُكل الخنزير الزهريّ”!
السيد الصهيونيّ لا يأكل إلا لحماً “حلالاً”!
ربما نحتاج إلى حكمة جديدة بثيمة جديدة.
في السنتين الأخيرتين تم إجراء محاولتين لزراعة قلب خنزير لإنسان عوضاً عن اللجوء إلى القلب الصناعيّ، أو الانتظار لحين وفاة متبرّع تتطابق أنسجته مع أنسجة الشخص المريض.
يمكن أن تكون هذه ثيمة الحكمة/ المَثَل الجديد: “فلان قلبه قلب خنزير”، أو بالعاميّة “فلان مرتشّب (مُركّب) ع قلب خنزير”!
هذا المثل يمكن أن يُستخدم لعلية القوم؛ لاحظوا كيف أنّ الشخص كلما علا مقامه أو ارتقى في المنصب والجاه والثروة يصبح خنزيريّ الملامح، خصوصاً اكتناز خدوده أو “لغاليغه” بفعل “السُحْت”، وكذلك “بَرْمَةُ بُوْزِهِ” التي تشبه خطم الخنزير، خاصة حين يتكلم أو يُلقى كلمة أو يُدلي بتصريحات!
تبقى هناك حاجة لمثل موازٍ ومُكمّل يصلح للعامّة.
يُقال أنّ صنعة دباغة الجلود كانت تعتمد فيما مضى على روث الكلاب، وأنّ الدبّاغين كانوا يجمعون هذا الروث لاستخدامه في عملية الدبغ!
لا أدري ما هو التفسير العلميّ لذلك؟ وما هي طبيعة المواد أو الخُلاصات في روث الكلاب التي تساعد في عملية معالجة الجلود ودباغتها؟ أو حتى كيف تسنّى للبشر اكتشاف هذه الخاصيّة في روث الكلاب؟ المهم أنّ هذه المعلومة موحية ويمكن الاستفادة منها!
“فلان مدبوغ بروث كلاب”، وباللهجة العاميّة “فلان مدبوغ بخـ…. تشلاب”، يبدو هذا مثلاً مناسباً!
ها قد حللنا المعضلة: بالنسبة لعلية القوم والمسؤولين فهم “مرتشبين ع قلب خنزير”، وبالنسبة للشعوب فهي “مدبوغة بخـ …. تشلاب”، أمّا الثيران (أو الفدادين باللهجة العاميّة) التي ما زالت تتمتع بشيء من الطيبة والسذاجة فقد أُكلت وانقرضت منذ وقت طويل، وما عادت تصلح حتى لأن نقول عنها: “طيِّن واحرث” باعتبار أنّ أحداً لم يعد يحرث أساساً، وباعتبار أنّ القمح قد صار يأتينا جاهزاً وناصعاً كـ “هدية من الشعب الأمريكيّ”!
على ذكر الشعب الأمريكيّ، هل يصلح المثلان أعلاه للاستخدام في حالة الأمريكان؟
لا؛ فـ “الخنزرة” و”الكلبنة” هما مكوّنان أصيلان في النموذج الأمريكيّ و”الحلم الأمريكيّ” ونمط العيش الأمريكيّ في نسخته المُعولمة.. وليسا مجرد تشبيه أو مجاز!
نستطيع أن نقول “أخنزر من أمريكيّ” أو “أكلب من أمريكيّ”، أو ببساطة “أصهين من أمريكيّ” بكون الصهيونيّة تجمع بين الخنزرة والكلبنة في آن واحد.. أمّا المثلان أعلاه فهما حصراً لاتباع أمريكا وعبيد الصهيونيّة!
بالنسبة لمقولة “طيّن واحرث”، فالمعروف أنّ المزارعين كانوا يقومون بتطيين مؤخرة الثور والمنطقة المحيطة بها قبل الشروع بالحراثة، ليشكّل الطين طبقة عازلة تحمي الثور من قرصات الحشرات التي تزعجه وتجعله يستنفر أو يخرج عن مساره أثناء الحراثة.
وعندما نقول عن شخص “طيّن واحرث”، فهذه كناية على أنّ هذا الشخص ثور لا يصلح إلّا للحراثة، ولكنك بحاجة لمداراته أو الضحك عليه (تطيين مؤخرته) أولاً حتى تستطيع الحراثة عليه (استغلاله وتوظيفه) بكلّ سلاسة.
وفق هذا التشبيه فإنّ دفق المحتوى الذي يزخر به الفضاء التواصليّ (وسائل الإعلام والسوشال ميديا) هو بمثابة الطين الذي يطيّن به وعي الجماهير والشعوب حتى تصبح سهلة المراس ويمكن الحراثة عليها بسهولة، بل والركوب عليها و”دندلة” القدمين أيضاً!