
ثلاثةٌ مِنْهُنَّ.. كوميديا نسائية أمريكية في لبنان
كتب / علي الزعتري
آملُ أَلاّٰ أُوصَفَ شوڤينياً ذُكورياً ولكن المنظرَ يقتضي العودة له والتعليقَ الساخر الذي يستحق، فقد رأيتُ وفدَ السيدة مورغان أورتيغاس، نائبة المبعوث الأمريكي، و سفيرتها في لبنان، ليزا جونسون، وثالثةً أُخرى هي مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وسوريا، ناتاشا فرانشيسكي، في بيروت، يتقابلون والرؤساء اللبنانيين الثلاثة، الجمهورية والوزراء والنواب، وكذلك قائد الجيش، ولم أرَ مع الرؤساء سيدةً لبنانيةً واحدةً. استمعَتْ السيدات الأمريكيات الفاتنات لجردةِ حسابٍ لبنانيةٍ أشبهَ ما يكون بوقفةِ الموظف أمام رئيسهِ ليشرح له كم هو مخلصٌ وناجحٌ في إتمام ما طُلِبَ منه، بل و مُتَلَهِّفٌ نيل الرضى مِنْهُنَّ. والحقيقة أن الرؤساء الثلاثة قد تحضروا لهن جيداً. لكنني قلتُ وأنا أقرأ الخبر لو لربما أتى الرؤساء بلبنانيةٍ ضمن وفدهم ممن عانين الاحتلال والقصف والتهجير وفقد الشهيد والممتلكات فقابلت تلك النسوة الأمريكانيات لتواضعنَ أمام حجم المأساة التي تعيشها العائلة اللبنانية. أو لو واجهتهنَ سيدةٌ لبنانيةٌ وطنيةَ الهوى وهن في لبنان كُثُرْ لربما كسرت أعينهن بالتشديد بحقِّ المقاوم. ثم تذكرتُ أن “لو” تفتح عمل الشيطان وكذلك “ربما”، ربما!
ثلاثةُ نسوةٍ يُرسَلْنَ ليضعنَ لبنان تحت البصمة الأمريكية ليست محض صدفة. بل رسالةٌ وتوجيهٌ. يُلْقيِ لهن الحكمُ اللبناني منهاج عمله في التعيينات وإدارة المصارف و تأمين المطار وجهوزية الجيش وانتشاره في الجنوب و أشياء كثيرةً أُخرى بينما تُبحْلِقُ عيونهن الستة ويكتب الكتبة الإجابات و تطل قلادة داود السداسية الألماسية من عنقِ مورغان بوجه الرؤساء بكياسةٍ ووقاحةٍ. كُلُهُّنَ أدباً في كل لقاءٍ وما خفي أعظم و ما قبلهُ كذلك. هذه اقتباسةً عما جرى في اللقاءات حسبما أوردته صحيفة الأخبار اللبنانية نقلاً عن مصادر رسمية في عددها الإلكتروني الصادر يوم ٥ إبريل ٢٠٢٥:
“عبّرت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس عن ارتياحها للاجراءات التي بدأت الحكومة باتخاذها في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. وبحسب رئاسة مجلس الوزراء، فقد أثنت أورتاغوس، خلال لقائها رئيس الحكومة نواف سلام، على خطة الحكومة الإصلاحية، ولا سيما الخطوات التي باشرت بها، خصوصاً رفع السرية المصرفية، ومشروع قانون إصلاح القطاع المصرفي، وإطلاق آلية جديدة للتعيينات في إدارات الدولة، وخطط الحكومة للإصلاح الإداري والمؤسساتي ومكافحة الفساد…..كذلك، جرى تناول تطورات الوضع على الحدود اللبنانية السورية مع التأكيد على ضبطها بشكل كامل ومنع حصول أي توترات أو فوضى بالاضافة إلى منع كل أشكال التهريب. والتقت أورتاغوس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، الذي زوّدها بقائمة تتضمن 18 قانوناً إصلاحياً أنجزها المجلس النيابي الذي لا يزال ينتظر مشاريع قوانين إصلاحية أخرى من ضمنها إعادة هيكلة المصارف والسرية المصرفية والإصلاح الإداري لا سيما مجلس الإنماء والإعمار، بحسب رئاسة مجلس النواب. وقال الرئيس بري إنّ اللقاء كان «جيداً وبناء». كما جرى التشديد، خلال اللقاء الذي دام لأكثر من ساعة، على ضرورة الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وحول تطورات الوضع في الجنوب، تناول البحث التدابير التي يقوم بها الجيش اللبناني لتطبيق القرار 1701 واتفاق الترتيبات الأمنية لوقف الأعمال العدائية، بالتعاون مع لجنة المراقبة العسكرية، بالاضافة الى استكمال الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية.”
ad
أما من خارج لبنان وداخله فقد قالت مورغان أورتيغاس شروطها المسبقة: لا للمقاومة. لا لعداء و تهديد أولياء نعمتها في “إسرائيل”. لا هي ولا من معها يهتمون بلبنان و اللبنانيين إلا من هذه الزاوية المنفرجة على فلسطين المحتلة.
كانت البغيضة مادلين أولبرايت تتفاخرُ بدبابيسها البروشِّيةِ المنمقة المُختارة حسب الحالة فهي تارةً عقربً وتارةً ثعبانً، في مجلس الأمن وزياراتها مع المسؤولين العرب، لترسل أو تنفثَ نواياها المسمومة عبر هذه الدبابيس اللامعة. مادلين كانت تمنحنا ضحكتها الصفراء وتقول ماذا يهم لو مات بعض الأطفال في سبيل القضاء على الإرهاب. أذكرُ جلستي أمامها في عشاءٍ عندما عملتْ مستشارةً مع الأمم المتحدة، بعد تقاعدها، للقضاء على الفقر في العالم (!) وجاء الحديث بالجالسين للفقر بمنطقتنا فلم تتردد بأن تَرُدَّهُ للفوضى و الإرهاب، وأردفت، كحزبِ الله والحركات الفلسطينية. قلتُ أننا لا نعتبره إرهاباً بل مقاومةً بوجه احتلال. زَمَّتْ فمها القبيح المُلَوَّن بالأحمر كأنه الدم. كوندوليزا رايس لم تُخفِ الشغفَ بشرقها الأوسط الفوضوي الخلاَّق وكانت تصول وتجول علي قادتنا ووزراءنا فيستمعون لتنبؤاتها ومطالباتها بالسلام أو الاستسلام. يقال أن القذافي شغفها حُباً حتى ورثتها هيلاري كلينتون فقصفت رقبتهُ. أمريكا بلاد الفرصَ المتساوية للنساءِ القاتلات، وللعرب رجالٌ مسؤولون ذوو أدبٍ واحترامٍ يستمعون و يقدمون لهن ما يطلبن. لكن الوضعَ وضيعٌ أكثر مما نتصور.
لستُ أرفعُ أو أُقلِّلُ من شأن “الجندر” السياسي لكنني أتذكرُ مثلاً يقول “عِزْ نفسك توجدها” وأرى أننا في اللقاءات مع المبعوثين الآتين عبر البحار لا نُعِّزُ أنفسنا كثيراً ولا حتى قليلاً. ولا أقول ابعثوا لنا رجلاً نتفاهم معهُ فليست السياسة الدولية شجاراً بين جارين لكن التنازلات تكون أكبر عندما يقابل الرجل العربي النساء. هكذا يبدو. فماذا يكون الحال عندما مورغان تكون جميلةً كما إيفانكا التي رافقت أبيها فَحصَدَ المليارات؟ استخدمت وزيرة خارجية ألمانيا الأسلوب ذاته عندما زارت دمشق لتقول للأصوليين أنها امرأةٌ حديديةٌ وجميلة وتفرض رأيها. كما كانت الصهيونية تسيبي ليفني تفعل منذ عملت مع الموساد في الإغواء و إلى أن صارت وزيرة خارجية و ما بعدها، وما لقاءاتها مع المسؤولين الفلسطينيين والعرب إلا دلائل في الدلال و الصفعات. الموقف “الجندري” لا يتوقف عند النساء ولكنه ينتقلُ للرجال الشواذ من المسؤولين كذلك. جالَ وزير خارجية فرنسا شاذٌ على دولنا وبضمنها ما يعتبره محمياتٍ عربية فرنسية واستقبله المسؤول العربي بكل احترام. كان يلقي عليهم المواعظ و يهزون له الرؤوس. ويُرسلُ لنا الغرب تحديداً دبلوماسيين شواذ مع “أزواجهم” و نعتمدهم مع الحصانة الكاملة. وللأمم المتحدة على أقل تقدير مسؤولينِ اثنين حاليين كِبار من الشواذ الرجال يُستقبلونَ بالترحاب عالي المستوى حتى في أشد النُظِمِ الحاكمة ظهوراً إسلامياً.
ad
سيقول القائل أننا قومٌ نحترم الضيف ولا نهينه. وهلَّا سألنا أنفسنا إن كانت الضيوف تحترمنا. قبل أيام طردت أمريكا مبعوث جنوب إفريقيا، السفير رسول إبراهيم، لأنه كما قالت أنه لا يحبها! فهل تحبنا مورغان وبيربانك مثلاً؟ لكنها نادرةٌ من النوادر العربية المتعددة في سلسلةٍ لا تنتهي من الركوع والسجود ثم الزحف إرضاءً للغرب. لبنان ليس وحده في هذا فالعرب في هذه المهزلة سواء.