
الشارع الأميركي ينتفض: حين يواجه المواطن تحالف المال والسياسة
كتب / أ.د. محمد تركي بني سلامة
في يوم السبت 5 نيسان/أبريل 2025، عاشت الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أضخم موجات التعبير الشعبي الغاضب، حيث خرج ما يزيد على 600 ألف متظاهر في أكثر من 1,400 مظاهرة اجتاحت جميع الولايات الأميركية الخمسين، تحت شعار موحّد: “Hands Off!” (ارفعوا أيديكم!)، في مشهد يعيد إلى الأذهان الحراك الشعبي العارم الذي شهدته البلاد خلال حقب مفصلية.
لم تكن هذه التظاهرات سوى نتيجة طبيعية لتراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية شعر فيها المواطن الأميركي بأن هناك من يحاول إعادة هندسة الدولة لحساب النخبة الثرية، خصوصاً مع تنامي نفوذ الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض قبل نحو ثلاثة أشهر، وبدأ بإصدار قرارات صادمة، ويتصرف بعيدًا عن أبجديات السياسة والدبلوماسية، ليس فقط تجاه الخصوم، بل أيضًا تجاه الحلفاء والأصدقاء.
وقد كانت الرسالة موجهة كذلك إلى رجل الأعمال المثير للجدل إيلون ماسك، الذي يرى كثيرون أنه يحاول استخدام ثروته ونفوذه للتأثير على سياسات الدولة، وفرض رؤى خاصة عبر أدوات التكنولوجيا والإعلام، وصولاً إلى مجالات حساسة مثل الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) وحتى ملفات في وزارة الدفاع (البنتاغون).
ad
رفع المتظاهرون أصواتهم رفضًا لخطط ترامب المحتملة، التي تشمل تسريح آلاف الموظفين الفيدراليين، وتقليص البرامج الاجتماعية، ومحاولاته لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة بما يخدم توجهًا سياسيًا أحاديًا. كما أعرب المحتجون عن رفضهم لتزايد تدخل أصحاب المليارات في إدارة شؤون الدولة، في ما يشبه “خصخصة السياسة” (Privatization of Politics).
الشارع الأميركي لم يكتفِ بالغضب، بل عبّر عن وعي متقدم بأن الديمقراطية في خطر، ليس من دبابة أو انقلاب، بل من تحالف المال مع القرار السياسي، وهو ما يعتبره كثيرون التهديد الأخطر في زمن ما بعد الحقيقة (Post-truth Era) والتلاعب بالمعلومات.
ما يلفت النظر في هذه الاحتجاجات أنها لم تكن محصورة بفئة واحدة، بل شهدت مشاركة واسعة من مختلف الأعمار والخلفيات والانتماءات السياسية، مما يعكس عمق الشعور الجمعي بأن هناك “خطرًا مشتركًا” يستوجب المواجهة.
ad
ولعل أبرز ما يميز هذه الحركة الاحتجاجية هو التنظيم الواسع واللافت، والذي امتد حتى خارج حدود الولايات المتحدة إلى مدن مثل باريس ولندن، في رسالة عالمية ضد تغوّل رأس المال على السياسة.
المثير أن هذه الحشود لم تُواجه بالقمع، بل تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة خاصة في محيط مبنى الكونغرس (Capitol)، تحسبًا لأي اضطرابات محتملة، مما يعكس إدراك السلطات لخطورة اللحظة وسعيها لاحتواء الغضب ضمن مسار سلمي.
إن ما شهدته الولايات المتحدة في هذا اليوم ليس مجرد احتجاج على شخص أو سياسة، بل هو تمرد على نموذج متسارع من خصخصة القرار السيادي، وتآكل الطبقة الوسطى، وتغوّل النخبة الاقتصادية على الدولة.
الرسالة كانت واضحة: الديمقراطية ليست للبيع، والمواطن لن يبقى متفرجًا.
هذه الاحتجاجات، في مضمونها وامتدادها، تفتح الباب لمرحلة جديدة من الوعي الشعبي الأميركي، وتؤسس لمعادلة جديدة في العلاقة بين الشعب والسلطة، بين المال والسيادة، بين الإعلام الحر والإعلام المُحتكر (Monopolized Media).
فهل تتلقف النخبة هذه الرسالة قبل فوات الأوان؟ أم أن الشارع سيقول كلمته مجددًا في الاستحقاقات القادمة، وبطرق أكثر تأثيرًا وانتشارًا؟
ويبقى السؤال الأهم مطروحًا:
هل سيتمكن الرئيس ترامب من الاستمرار في منصبه وإكمال مدته الرئاسية وتنفيذ مخططاته وسياساته اللاعقلانية ؟ أم أن الضغوط الشعبية والسياسية قد تفتح الباب أمام سيناريوهات العزل أو الاستقالة أو المحاسبة القضائية او حتى الاغتيال ؟