جمهورية المفاجآت: العراق يخطط… ثم يتفاجأ
كتب / علي جاسم ...
في العراق، كل شيء قابل للمفاجأة: الكهرباء تنقطع بلا سابق إنذار، والإنذار نفسه ينقطع، ثم يعود بصيغة: “نعتذر، هناك عطل طارئ منذ ٢٠٠٣.” الوزراء يتغيرون، الوجوه تتبدل، لكن المشكلة باقية، كأنها شخصية ثانوية في رواية “في انتظار غودو”، لا تأتي أبداً، لكنها تظل حاضرة في كل حديث سياسي.
هل تذكر فيلم ؟ حيث البطل يعيش في مدينة مزيفة، محاطة بكاميرات، وكل شيء مُخطط له؟ العراق هو النسخة المعاكسة: الناس حقيقيون، المعاناة حقيقية، لكن الدولة أحياناً تبدو مجرد “ديكور” ضخم على شكل مؤسسات. تسير المعاملة من شباك إلى آخر، كأنها تخوض مغامرة في متاهة بان ، وأنتَ المواطن، تحتاج إلى سحر أو واسطة لتصل للنهاية.
وفي المشهد الحزبي، لا بد أن نعود إلى رواية مزرعة الحيوانات لجورج أورويل: الجميع متساوون، لكن البعض “أكثر مساواة” من غيرهم. الشعارات واحدة، والخطابات تتكرر، لكن توزيع المناصب لا يتم إلا حسب الأقدام التي داست على الأرض أكثر… أو الأرجل التي صعدت على أكتاف غيرها.
أما البرلمان، فهو أقرب إلى حلقة من مسلسل، لكن بلا الكاريزما، وبإخراج رديء، وحوارات يُكتب نصفها قبل الجلسة، والنصف الآخر خلال “فاصل شاي”.
أما المواطن العراقي؟ فهو نسخة حديثة من شخصية يوسف في رواية نجيب محفوظ أولاد حارتنا: يعرف أن الظلم موجود، يعرف أن السلطة غامضة، لكنه لا يملك إلا أن يحلم بشيء يشبه العدالة، حتى لو جاءت متأخرة، أو بلهجة أجنبية، أو عبر منصة إلكترونية لا تعمل.
النتيجة؟
العراق دولة تبحث عن روايتها. كل يوم يُفتتح فصل جديد من مأساة، ويُختتم بخطبة، ويُعاد إنتاجه كنكتة شعبية. كأن الواقع يقول لنا: “لقد سئمنا الجدية، فلنضحك قليلاً… قبل أن نبكي من جديد.