مشاريع الاستثمار.. قنابل موقوتة تمزق أحلام الفقراء وتغذي فساد السلطة!!
المعلومة / خاص ...
شهدت السنوات الأخيرة تحولاً ملموساً في خارطة الاستثمار العقاري في العراق، حيث تم الإعلان عن مجموعة من المشاريع الاستثمارية التي وعدت بتحسين الوضع الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة، ومع ذلك، فإن الواقع يبدو مختلفاً تماماً عن الوعود، تلك المشاريع التي كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار وتوفير فرص السكن والتوظيف للمواطنين، تحولت مع مرور الوقت إلى سجون من الأسمنت، تكاليفها باهظة، وفوائدها لا تصب إلا في جيوب القلة القوية التي تملك النفوذ والسلطة.
في بداية الأمر، كانت المشاريع السكنية المعلن عنها تعد الناس بتوفير بيوت ميسورة التكلفة، ولكن مع مرور الزمن، تحولت هذه المشاريع إلى حلم بعيد المنال بالنسبة للكثيرين، تلك العقارات التي تم الإعلان عنها كان يفترض أن تكون "للشعب"، أصبحت خارج متناول يد المواطن البسيط، وظهرت بشكل يضاعف من معاناة الفقراء، حيث وصلت الأسعار إلى مستويات فلكية لم يتمكن من تحملها سوى أصحاب الأموال الطائلة أو المتنفذين في السلطة.
صفقات الفساد
هذه المشاريع لم تقتصر فقط على فقدان قدرتها على خدمة الفئات المستحقة من المجتمع، بل غالباً ما كانت موضع شبهة فساد إداري وتلاعب مالي. صفقات مشبوهة بين رجال أعمال متنفذين ومؤسسات حكومية قادت إلى استحواذ عدد قليل من الأشخاص على معظم هذه المشاريع العقارية، بينما ظل المواطن العادي يحلم في صمت من دون أن يحصل على أدنى فرصة للوصول إلى هذه المشاريع.
إضافة إلى ذلك، فإن التسهيلات التي تقدمها الحكومات المحلية للمستثمرين الأجانب والمحليين تتسم في العديد من الحالات بتجاوزات قانونية واضحة، حيث يتم منح الأراضي والمشاريع بأسعار رمزية، بينما تظل الاستفادة الفعلية مقتصرة على قلة من أصحاب المصالح السياسية.
التشويه العمراني
بدلاً من أن تكون هذه المشاريع مساهمة في تحسين البنية التحتية للمدن، تحولت إلى هياكل خرسانية شاذة تشوه البيئة العمرانية، حيث أصبح المشهد الحضري في العديد من المدن العراقية عبارة عن مجمعات سكنية ضخمة تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي، وتؤدي إلى تدهور جمالية المدن.
الهايبر ماركت في الكوت
من أحدث المشاريع التي أثارت الجدل في العراق هو مشروع "الهايبر ماركت" في مدينة الكوت، الذي يعتبر شاهداً جديداً على سياسات الاستثمار غير المدروسة، رغم أن المشروع كان يهدف إلى تحسين البنية التحتية وتوفير فرص عمل، إلا أن تنفيذه كان بعيداً عن حاجات السكان المحليين ، وأخيرا احترق بداخله المئات من المواطنين بسبب عدم توفر مقومات شروط السلامة والأمان بسبب الفساد المستشري وعائديته لاشخاص متنفذين لاتهمهم سوى مصالحهم الفاسدة.
الاستثمار في العقارات ..الحلول المفقودة
من الواضح أن الاستثمار العقاري في العراق، بدل أن يكون حلاً لمشاكل الفقراء والمحرومين، أصبح عاملاً في تعميق الفجوة الاقتصادية، و لم تُخصص الأموال والموارد بشكل حكيم، بل تم صرفها في مشاريع ضخمة لا تنسجم مع احتياجات السوق المحلي. في وقت كان من المفترض أن تذهب هذه المشاريع لصالح الفقراء، نجد أنها قد تحولت إلى ميدان لاستنزاف أموال الدولة لصالح الفئة المتنفذة.
,ويبقى الاستثمار العقاري في العراق، سواء في المدن الكبيرة أو الصغيرة مثل الكوت وغيرها ، يحتاج إلى إعادة تقييم شاملة، من الأهمية بمكان أن تتم توجيه هذه المشاريع لصالح المواطنين البسطاء، وأن تتم محاربة الفساد وتفعيل آليات الشفافية في تنفيذ هذه المشاريع والاخذ بنظر الاعتبار تطبيق شروط السلامة والأمان بكل تفاصيلها ، ويجب على الحكومة العراقية أن تدرك أن تعزيز الاقتصاد الوطني يبدأ بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سكن ميسر للطبقات الفقيرة، قبل أن تصبح المشاريع الاستثمارية مجرد أدوات لاستمرار التفاوت الاجتماعي.
والتحدي الأكبر يكمن في وضع خطط استراتيجية تعكس مصلحة المواطن، بدلاً من أن تصبح تلك المشاريع مجرد أدوات لزيادة الغنى والسلطة لدى البعض، بينما يعاني آخرون من شظف العيش في ظل هذه الهياكل الخرسانية المدمرة.انتهى / 25
