من جيهان إلى الأسواق السوداء.. نفط كردستان بين القانون والتهريب في وضح النهار

المعلومة/تقرير..
على الطرق الجبلية الوعرة شمال العراق، تتحرك يومياً عشرات الصهاريج المحملة بالنفط في مسارات بعيدة عن أعين الرقابة، مشهد يختصر واقعاً اقتصادياً معقداً، تتشابك فيه المصالح الحزبية والاتفاقات الغامضة مع ضعف موقف بغداد أمام أربيل.
وفي الوقت الذي يعاني فيه العراق من ضغوط مالية متصاعدة وعجز مزمن في الموازنة، تتحدث تقارير نيابية عن تهريب يومي لعشرات آلاف البراميل من النفط من إقليم كردستان، ما يعني خسائر بمليارات الدولارات سنوياً، بينما تلتزم الحكومة المركزية الصمت إزاء هذا النزيف الاقتصادي الخطير.
ورغم القرارات القضائية الدولية، والاتهامات المتكررة من قبل النواب والمعارضين، ما تزال عمليات تهريب النفط من إقليم كردستان وإخفاء الإيرادات الجمركية تشكل واحدة من أكثر القضايا حساسية في العلاقة بين بغداد وأربيل، وسط ما يصفه مراقبون بـ”صمت حكومي مريب” يشجع على استمرار التجاوزات.
اتهامات بالتغاضي الحكومي
المعارض الكردي سامان علي شن هجوماً لاذعاً على الحكومة المركزية في بغداد، متهماً إياها بالتقاعس عن مواجهة “عمليات سرقة وتهريب ممنهجة” تجري داخل إقليم كردستان.
وقال علي في حديثه لـ/المعلومة/ إن “الحكومة المركزية تتغافل عن سرقات كبرى في ملفات النفط والمنافذ الحدودية، رغم أن تلك الأموال تعود للعراق بأكمله”، مشيراً إلى أن “استمرار هذا الصمت يضعف هيبة الدولة ويمنح الإقليم شعوراً بأنه فوق القانون”.
ويضيف علي أن “أربيل تمارس عمليات تهريب مستمرة للنفط وتحصّل واردات المنافذ لحسابها الخاص، دون رقابة حقيقية من بغداد”، محذراً من أن “التغاضي عن هذه الممارسات سيخلق فجوة مالية خطيرة ويقوّض العدالة الاقتصادية بين المحافظات”.

• 

حقائق بالأرقام: 180 ألف برميل يومياً

من جانبه، كشف عضو لجنة النفط والغاز النيابية علاء الحيدري عن حجم صادم لعمليات التهريب اليومية من الإقليم، مقدّراً الكمية بنحو 180 ألف برميل نفط خام يتم تهريبها خارج الأطر القانونية، ما يكبّد العراق خسائر سنوية تقارب 4 مليارات دولار.
وقال الحيدري في تصريح لـ/المعلومة/ إن “التهريب ازداد بعد قرار محكمة باريس الدولية في آذار 2023، الذي قضى بإيقاف تصدير النفط الكردي عبر ميناء جيهان التركي”، لافتا إلى أن “الإنتاج لم يتوقف فعلياً، بل تحوّل إلى قنوات تهريب غير شرعية، أبرزها النقل بالصهاريج”.
وأشار إلى أن “وزارة النفط الاتحادية بدأت تحقيقات بعد أن أبلغتها منظمة أوبك بوجود زيادة في المعروض العراقي من النفط في الأسواق العالمية، مصدرها مصادر ثانوية مجهولة”، مبيناً أن “التحقيقات أثبتت أن مناطق الجنوب خالية من أي تجاوزات، وأن التهريب يتركز في الإقليم حصراً”.
من أربيل إلى الأسواق العالمية
تتحدث تقارير دولية عن أن جزءاً من النفط المهرب من قبل حكومة اقليم كردستان يباع بأسعار تقل عن السعر العالمي من خلال نافذة السوق السوداء.
ويرى مختصون أن استمرار تهريب النفط يهدد ليس فقط الإيرادات الوطنية، بل يضع العراق في موقف حرج أمام المؤسسات المالية الدولية، ويقوض مبدأ العدالة في توزيع الثروة بين المحافظات.
وبين تصريحات المعارضين وتحقيقات النواب، يظل ملف تهريب النفط في إقليم كردستان أحد أكثر الملفات غموضاً وتعقيداً في المشهد العراقي، إذ تتقاطع فيه السياسة بالاقتصاد، والمصالح الحزبية بالثروات الوطنية.
وفي ظل استمرار صمت بغداد، يخشى مراقبون أن يتحول هذا الصمت إلى غطاء رسمي لنهب المال العام، ما لم تتخذ الحكومة خطوات حقيقية لإخضاع الإقليم إلى سلطة القانون الاتحادي ومساءلة المتورطين في سرقة ثروات البلاد. انتهى/25ق