الإقليم من المأمول إلى الوضع الأليم
كتب / خليل ابراهيم العبيدي
كنت واحدا من العراقيين الذين عدوا تأسيس الإقليم بادرة خير يمكن تعميمها على كل أجزاء العراق ليتحول البلد تدريجيا إلى النظام الفدرالي المتوازن الذي يتنااسب والظروف الموضوعية لشعب قسى عليه حكامه منذ تأسيس دولته عام ١٩٢١ ، وقد كنت واحدا ممن سار في مظاهرة الحزب الشيوعي العراقي عام ١٩٦١ التي كانت تطالب بالسلم في كردستان بعد نشوب المعارك مع الجيش في عهد حكومة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، ولكن ، وهذه ال ، لكن ، هي بيت القصيد في مقالتي هذه . ذلك أن الزعامة الكردية لم تكن لتختلف عن الزعامة العربية منذ أن تصدرت حركة الكرد الاجتماعية والسياسية والمتمثلة بشخصانية السلطة ، بتعبير اخر أنهم كما قال الملك لويس الرابع عشر ،، الدولة أنا ،، وهي عبارة تختصر كل القوانين والمعايير التي تستند إليها الدول في إدارة مقدرات الشعوب بكنية القائد، وهذا مرض لم يكن ليتجاوزه الشرقيون حتى يومنا هذا ، وما الصراع بين الحزبين إلا دليلا قاطعا لما نذهب إليه ، وهذا الصراع بدأ منذ انشقاق المرحوم جلال الطالباني عن الديمقراطي الكردستاني . وقد كنت قد قابلته مرة في منطقة بكرة جو مع لفيف من اصدقائي المهتمين آنذاك بالشأن العام عام ١٩٦٧ . وكان شابا يافعا، ولم يكن ليتحدث بما هو جديد في حزبه يختلف فيه عن الديمقراطي الكردستاني ، ولكن كان يتحدث بحضور علي العسكري وإبراهيم احمد ناقدا المرحوم الملا مصطفى البرزاني ومنذ تلك اللحظة تكونت لدي قناعة أن الانشقاق هو انشقاقا شخصانيا لا علاقة له بالمبادئ رغم كون مام جلال مفكرا قانونيا يميل إلى التوجه الماركسي ، وظل العداء ماضيا مضي النار في الهشيم ، وانقسم الشعب الكردي باختلافهم وصارت البيشمركة تارة طالبانية وتارة برزانية مما يفقدها صفة القوات المسلحة لإقليم كردستان إذ تحولت في الكثير من الاحيان إلى ميليشيتين تناصب أحدها العداء للآخرى وهذا يخالف قواعد وأصول الإدارة المحلية للأمن أو حتى أن السليمانية تكاد أن تنفصل عن اربيل(لا عن الإقليم )
أن التشابه القائم بين الإقليم والمركز في مسألة التعسف باستعمال السلطة أو التشابه في سؤ استغلال الثروة ، يعيد المواطن المتأمل من هذه التجربة خيرا او أن تكون سابقة يعتد بها تراه اليوم يتراجع ، ويعود ليتمسك بمخرجات ماضي العراق المنحصر بين عام التأسيس حتى عام ١٩٨٠ ، فقد كان الحكام منذ العهد الملكي ينظرون بعين التغيير نحو الأحسن وكانت لهم منجزات ملحوظة أو محسوسة ، رغم كونها منجزات لا تتناسب مع أي تغيير لبلد يملك مثل ثروات وعقول العراقيين ، وما التقدم الذي أحرزه الإقليم إلا تقدما نسبيا بالقياس إلى الموارد المتاحة من خلال الموازنة العامة أو من خلال البيع الاستثنائي للنفط او من خلال موارد الحدود أو الضرائب والرسوم المحلية.
أن اربيل والسليمانية والعاصمة بغداد تشهد كل يوم مظاهرة أما للعاطلين وأما لاصحاب الاجر غير المثبتين وأما لنقص في الخدمات أو لسؤ توزيع الثروة بين المتنفذين والمواطن المسكين ، وهكذا لم يعد التقدم النسبي الذي شهده الإقليم بفعل الاستثمار المحلي او الاجنبي ، لا بفعل التوظيف الكامل لعائدات الإقليم من الموازنة العامة ومن البيع الاستثنائي للنفط او من موارد الحدود والضرائب والرسوم المحلية ، لذا فإن الإقليم لم يعد النموذج المأمول بل صار بادرة لحسن التوجه وسابقة لسؤ التدبير…..