الأسد في الرياض.. تصورات لشكل ومضمون الزيارة بعد 12 عاما من القطيعة
كتب / كمال خلف
وفود إعلامية ودبلوماسية وامنية سورية وصلت مساء امس الى المملكة العربية السعودية على راسهم وزير شؤون القصر الجمهوري ” منصور عزام ” ثلاثة طائرات أخرى من دمشق تحمل وفود ستصل تباعا اليوم وغدا، تمهيدا لزيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى المملكة المتوقعة هذا الأسبوع. في اول زيارة للرئيس الأسد الى السعودية منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اثر اندلاع الحرب في سورية عام 2011. حينها كانت السعودية بقيادة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، واليوم تغيرت القيادة اثر رحيل الملك عبد الله، ليتولى زمام البلاد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الرجل القوي في المملكة الأمير محمد بن سلمان.
لم يتغير رأس الهرم في السعودية فحسب، بل احدث ابن سلمان تغيرات هائلة وجذرية في الداخل السعودي لم يتجرأ عليها كل الملوك الذين تعاقبوا على حكم المملكة منذ تأسيسها زمن الملك الأول عبد العزيز ابن سعود. تلك التحولات التي يقودها الأمير الشاب لم تقتصر على احداث ثورة اصلاح داخلي، بل لحقتها اليوم ثورة اكثر أهمية في اتجاهات السياسية الخارجية. فقد أسس ابن سلمان لمسار عميق واستراتيجي يخص استقلالية السياسة الخارجية، فبنى تحالفات مع الشرق “الصين وروسيا” مع محاولات جريئة لتحويل العلاقات مع الغرب من علاقة هيمنة وتبعية الى تكافؤ متوازن في المصالح والاهداف. وعلى مستوى الإقليم انجز ثلاث خطوات مهمة الأولى وقف حرب اليمن والجنوح الى الحوار مع اليمنيين، والثانية إعادة العلاقات مع ايران وسد باب التحريض الطائفي، والثالثة احداث خرق كبير بالملف السوري عبر إعادة العلاقة مع دمشق، وفتح باب الجامعة العربية امامها.
وبالتالي سيكون الرئيس الأسد امام مملكة جديدة، لم يعرفها من قبل، حيث كانت اخر مرة زار فيها الأسد السعودية في 17 من تشرين الأول 2010، بعد القمة الاقتصادية في الكويت والتي طرح فيها الملك عبد الله مبادرة ازالت الفتور الذي كان قائما في العلاقات السورية السعودية والخلافات التي كان جلها يتعلق بالملف اللبناني، والتي بدأت اثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ” واتهام سورية بالوقف وراء الاغتيال، حينها حاولت جهات لبنانية معادية لسورية فبركة ملف الاتهام لسورية عبر استخدام شهود زور ولاحقا برأت المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري سورية، واعترفت بان الشهود الذين ساهموا بتوجيه التحقيق نحو سورية كانوا شهود مزيفين.
بعد عام من الزيارة الأخيرة للرئيس الأسد الى السعودية اندلعت الاحداث في سورية، والتي نظرت اليها القيادة في سورية باعتبارها مؤامرة خارجية تستهدف دور سورية الإقليمي ووحدتها الجغرافية، وامنها واستقرارها، لكن السعودية أعلنت موقفها المنخرط مع مشروع اسقاط النظام السوري الذي تبناه عدد من الدول العربية والإقليمية بالإضافة الى الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي. وكان خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز في 8 أغسطس 2011 والموجه الى سورية، خطابا حاسما حدد فيه موقف السعودية من الاحداث في سورية، واعلن الملك سحب السفير السعودي من دمشق. بعد هذا الخطاب أصبحت السعودية جزء من منظومة عربية إقليمية ودولية تجمع الدول التي تسعى لاسقاط النظام بالوسائل كافة.
واليوم وبعد حوالي 12 عاما على تلك القطيعة يصل الرئيس الأسد الى السعودية وقبل انعقاد مؤتمر القمة العربية في 19 من الشهر الجاري وربما قبل أيام من انعقاد القمة. وهنا يطرح سؤال هل سيزور الأسد الرياض ثم يعود الى دمشق قبل انعقاد القمة، ثم يرسل من ينوب عنه لشغل معقد سورية لأول مرة منذ تجميد عضوية سورية في الجامعة قبل 12 عاما ؟ ام ان الأسد سوف يحضر للرياض ويبقى الى حين انعقاد القمة العربية.
المرجح هو الاحتمال الثاني. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الوفد الكبير الذي يرافق الأسد والذي وصل الى السعودية قبل وصوله بيومين. وبالتالي يمكن تصور زيارة من الان ستكون زيارة دولة بكل معنى الكلمة، سيلقى فيها الأسد حفاوة الاستقبال أولا، وسيعقد سلسلة اجتماعات مع الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، ومن ثم سينتقل الرئيس السوري لرؤية السعودية الجديدة التي لم يراها منذ 12 عام، والتي تغيرت بشكل كبير. مطلعا على النهضة العمرانية والمشاريع الطموحة في المملكة. ولا نستبعد ان يعتمر الأسد في مكة المكرمة.
اذا سنكون امام برنامج حافل وطويل للرئيس السوري في ربوع العربية السعودية وفي مرابعها. وبعدها سيجلس الأسد على كرسي سورية في القمة العربية معلنا بدء صفحة جديدة في العلاقات السورية العربية. وستكون كل الأنظار مسلطة عليه، وتحديدا على مضمون الخطاب الذي سوف يلقيه امام القادة العرب. ستكون مشاركة سورية هي الحدث الأهم، وستكون من افضل القمم العربية ربما طوال عقود من الزمن.
سيكون ذلك حدثا استثنائيا، ساهمت المملكة السعودية بشكل فعال في صناعته. وبشكل متواز كما ينظر اليه باعتباره نجاحا باهرا للدبلوماسية السعودية ونهجها الجديد الذي يرسمه الأمير محمد بن سلمان، يعتبر كذلك نجاحا وانتصارا لسورية والرئيس الأسد بعد صبر وصمود وتضحيات وتحمل. وهو قبل ذاك وذلك نجاحا للعمل العربي المشترك ووحدة الصف العربي الذي تعرض لشروخ عميقة في حقبة ما عرف “بالربيع العربي الدامي”.
كم نتمنى ان نحضر في الرياض بصفتنا الصحفية لنكون شهودا على هذه اللحظات التاريخية من عمر امتنا ومنطقتنا، بعد الويلات والدمار والحروب التي عشناها، فما اجمل ان تغطي وتنقل اخبار المصالحات العربية وانعكاسها الإيجابي على شعوب المنطقة، بعد السنوات العجاف التي مرت على دولنا وشعوبنا.