غزة وابن حزم الأندلسي
كتب / نرمين المفتي…
«الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وسلم تسليماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم [بها] عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم حتى استشرف لذلك أهل القلة والذمة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا، لأنهم مشاركون لنا في ما يلزم الجميع من الامتعاض للديانة الزهراء والحمية للملة الغراء، ثم هم متردون بما يؤول إليه إهمال هذا الحال من فساد سياستهم والقدح في رياستهم، فللأسباب أسباب، وللمداخل إلى البلاء أبواب، والله اعلم بالصواب»، هكذا بدأ ابن حزم الأندلسي (أبو محمد علي بن احمد بن حزم- المتوفي في 456 ه- 1064 م) رسالته في الرد على ابن النغريلة (إسماعيل) الذي عاش في الأندلس في الفترة الزمنية نفسه، وتوفي قبله بسنوات، والذي يعتبر من أهم علماء التلمود وشارحيه، وكان في الوقت نفسه رجل دولة وعسكري والذي يقرأ تاريخه سيجد اينما عمل، أوجد فتنة وعدم استقرار لدرجة طالما ثار الناس ضده، لكنه وأبناءه تمكنوا من الاستمرار لانهم كانوا يعرفون كيف يديرون الخليفة أو الحاكم. وكان ابن النغريلة أيضا باحثا في الأديان وألف كتابات جدلية تطعن في صدق القرآن. وفي كلمة الناشر لكتاب (رسالة ابن حزم الأندلسي في الرد على ابن النغريلة اليهودي، دراسة وتحليل) للباحث الحزائري د. أحسن لحساسنة، نقرأ (تعتبر رسالة ابن حزم في الرد على ابن النغريلة البهودي أحد المستندات التاريخية المهمة التي تعكس بعض الأوضاع العملية والأدبية والسياسية في القرن الرابع الهجري في الاندلس وتنسل عن حركة صراع طويل ومرير بين حراس الدين والعقيدة، وبين إدعياء الدين الذين يتربصون به قصد اثارة الشكوك فيه حسدا من انفسهم). وان كانت مقدمة الناشر معاصرة 2011، فان رسالة ابن حزم المكتوبة قبل ألف سنة تبدو وكأنها مكتوبة بعد السابع من تشرين الاول الماضي وحرب الإبادة المستمرة ضد غزة واهلها، ولكن هل هناك من يقرأ ويتعظ؟ وعودة إلى الرسالة التي تكشف مدى الحرية في المناقشة والجدال ومدى عمق التفكير والبحث والمواجهة في تلك القرون الإسلامية الأولى، ويبدو واضحا أنه بعد القرن الهجري الخامس الهجري انتهى تقريبا هذا الوضوح في كل شيء. وانتهى تقريبا عصر الازدهار العلني والثقافي والسياسي والاقتصادي والفلسفي والفكري العربي-الإسلامي.. وإذ دخلت حرب الإبادة شهرها الخامس ويقترب عدد الشهداء من 31 الفا، لم نسمع من يحاول أن يناقش من أين جاء الكيان الصهيوني بكل هذه الصلافة في التعامل مع العالم، لدرجة أصبح لا يستمع فيه حتى إلى صانعيه اأاوربيين والأمريكان؟ والجواب ببساطة أن في المنطقة العربية كلها لا توجد مراكز أبحاث ودراسات لليهودية والصهيونية، بينما في الكيان يوجد حوالي 60 مركزا للأبحاث والدراسات الإسلامية والعربية تتبع الجامعات والموساد ووزارات الخارجية والأمن والدفاع. ولا يتم اتخاذ أية خطوة بدون الرجوع إلى هذه المراكز وما استهداف المدنيين بهذه الوحشية وارتكاب المجازر اليومية، وبضمنهم الجوعى الذين كانوا ينتظرون دورهم في الحصول على طحين في دواري النابلسي والكويتي، الا توصية من أحد هذه
المراكز. إن الدول العربية بحاجة إلى هكذا مراكز لمواجهة هذه الصلافة والوقاحة، التي فاقت الخيال وبحاجة إلى باحث بجرأة ابن حزم ليواجه الأنظمة بحقيقتهم من جهة، وليكشف للعالم الفكر الصهيوني المتطرف من جهة أخرى وقطعا سيكون مساندا للتضحيات اليومية في غزة.