حفلة تخرج سجناء
كتب / عبد الهادي مهودر
ليس لي ولأقراني ذكريات من يوم التخرج سوى صورة تذكارية جماعية تحت لافتة كلية الآداب ، حين كانت كلية الإعلام قسماً من أقسام الكلية في بناية الباب المعظم ، قبل إنتقالها الى مقرها في منطقة الجادرية ، مع جلسة ( سندويچات) سريعة في نادي الكلية جُمع ثمنها على الرؤوس لمقتضيات الحال والجيوب الفارغة ،ولكن المحبة والتواصل بقيا يحكمان العلاقة بزملاء الدراسة والصحافة على الرغم من الاختلاف الوظيفي والتباعد المكاني ، فالغائب لا يغيبُ ويبقى القريب الحبيبُ ، كما تقول الشاعرة العراقية المعروفة ميادة الحنّاوي ، حسب إجابة متسابق في برنامج تلفزيوني ، والتخرجّ من الجامعة بعد أربع سنوات جميلة هو لحظة وداع لاتخلو من الحزن على فراق الأحبة الذين قد لا نراهم في زحمة الحياة والعمل ، لكن أحداً ما قد عبث بالإعدادات وحوّل لحظة الفراق الى حفلة عرس صاخبة ، وجاء اليوم الذي صدمتنا فيه حفلات التخرج الجامعية التي يظهر فيها الطلاب والطالبات كالمشمولين فجأةً بقرار تبييض السجون ، وكأن حبل المشنقة كان قاب قوسين او أدنى وجاءتهم البشرى بالعفو العام عن المساجين ، ومن حق السجناء أن يمزّقوا ثيابهم ويخرجوا من الثياب والآداب في هذه اللحظة السعيدة ، لكننا لم نشاهد في يوم من الأيام (خرّيج سجون) يرقص بهذا الشكل المجنون ، مع ان إطلاق السراح و شمّ نسيم الحرية لايلام عليه السجين لو رقص بمستوى الراقصين في حفلات التخرج الجامعية هذه الأيام ، التي خرجت عن العقل والعقال ، والعجب كل العجب بأن يرقص خريجو الجامعات ولا يرقص خريجو السجون المحرومين من الحرية ، واللوم في هذه الحالة لايقع على إدارات الجامعات وإنما يقع على إدارات السجون التي لاتسمح بتنظيم مثل هذه الإحتفالات التي تناسب الفرحة بإطلاق السراح ، ولو كانت بالصراخ والرقص المنفلت الخارج عن الآداب !
صحيح أن جامعات أخرى نظّمت حفلات تخرّج راقية تحفظ للجامعة سمعتها ومستواها ورقّيها ، لكن النصف الآخر من الكأس لا يخلو أيضاً من الملاحظات والمبالغة دون الدخول بتفاصيل الملاحظات والمبالغات ، فجميع الحفلات خارجة عن إطارها الطبيعي ، وما زاد عن حدّه إنقلب الى ضدّه ، ونحن لا نكتشف الذرّة فهذه الحفلات الجامعية علنية ومعروفة والمبالغة بها أثارت علامات إستغراب واستهجان ، وأضيفت الى الظواهر المنفلتة ، ولا نناشد الوزارة فهي تدري ولا ندعو معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي لأنه استهجنها علناً ، ولا نستخرج مقترحات من باطن الأرض ، وغاية مانراه مناسباً لفرحة أحبتنا الخريجين هو حصر حفلات التخرج بحدود الجامعات وحدود اللياقة والآداب، وبين الأحباب لا تسقط الآداب ، والسلام.