ملاحظات وازنه حول زيارة الرئيس التركي اردوغان الى بغداد
كتب / د. عادل جميل ..
سبق وأن تطرقت في مقلات سابقه الى العلاقه الشائكه بين العراق وتركيا والسبل الكفيله لأيجاد حلول منصفه وعادله للأشكلات القائمه. وتوقعت حدوث تغيير جذري في موقف الأتراك بعد دخول مشروع طريق التنميه ومشروع كريدور بايدن حيز التنفيذ. وهاهو الرئيس التركي يحل ضيفا معززا مكرما على ارض الرافدين, وعل زيارته تثمر خيرا لكلا البلدين. والكل يأمل فتح صفحه جديده من العلاقات الأيجابيه بين البلدين مبنيه على الأحترام المتبادل والمصالح المشتركه. وللتذكير فقط لا صداقات دائمه في السياسه بل مصالح مشتركه. والمفاوض الناجح هو من يعرف مواطن الضعف والقوه عنده وعند الطرف الأخر وعلى ضوئه يبني استراتيجيته التفاوضيه. أما من يركن على الأخوه والدين وحسن الجوار والتأريخ المشترك فهو واهم ويجهل دهاليز السياسه. وكما لتركيا اوراق ضاغطه ,لديها كذلك نقاط ضعف بأمكان السياسي العراقي معرفتها وأستثمارها لمواجهة الأوراق التركيه الضاغطه. فالعراق حاليا سوق كبيره جدا وثرواته الطبيعيه وموقعه الجيوسياسي وفرص الأستثمار فيه كلها ثوابت يسيل لها لعاب القاصي والداني. ولو أجاد السياسي العراقي فن التحاور وعرف مكامن القوة والضعف عند الأخرين لحقق ما نصبو اليه جميعا بأقل الخسائر وبوقت قياسي. في السابق كانت الجاره تركيا تعول على ماتعتقده مواطن ضعف في الموقف العراقي فكانت ترفع سقف مطالبها وتفرض شروط غير منصفه على العراق. وعلى سبيل المثال للحصر كانت تركيا تحجب الحصه المائيه المقره بموجب القانون الدولي عن العراق, ولا تعترف بالقوانين الدوليه الخاصه بتصدير النفط العراقي ولاتريد الأعتراف بالمحكمه الدوليه وقرارها القاضي بدفع مايقرب من مليار ونصف المليار دولار كتعويضات للعراق جراء سماحها بتصدير النفط العراقي المنتج في شمال العراق بصوره غير مشروعه عبر ميناء جيهان التركي. ولا تعبأ بالسياده العراقيه على اراضيه فهي تجتاز الحدود حينما تشاء وفوق ذلك تعسكر داخل العراق أينما تشاء. وفي الجانب التجاري تتمتع تركيا بأسوق العراق المفتوحه امامها لتصريف منتجاتها واستثماراتها دون قيود. والسلاح الوحيد الضاغط الذي تمتلكه تركيا ويصعب تعويضه هو الماء لاغير. ولاتملك تركيا سوى هذا السلاح الذي أستغلته أيما استغلال وكل ذلك كان قبل أن يعلن عن مشروع طريق التنميه ومشروع كريدور بايدن. الأن كل شيء تغير وحلت المرونه محل التعنت والأستخفاف بمطالب العراق المشروعه. ومن اجل طي صفحة الماض هناك اربعة محاور يجب مناقشتها ووضع حلول ناجعه لها لكي لا تتكرر الأرهاصات والتشنجات في العلاقه بين البلدين:
المحور الأول : الكل يدرك أن واحده من اكثر الدول تضررا بمشروع بايدن هي دون شك تركيا. ولايحتاج المتابع الكثير من التمعن لمعرفة ان تركيا سوف تعمل ما بأمكانها لأيجاد البدائل لتعويض خسائرها المتوقعه, وخيارتركيا المتاح لتقليل الخسائر هو الأستثمار في طريق التنميه العراقي. وعلى السياسي العراقي اقتناص الفرصه السانحه لضمان مصلحة البلد والتصرف ببراغماتيه فاعله لمعالجة التهديدات الوجوديه التي نتعرض لها والأستفاده من تطابق وتضاد مصالح الدول المتجاوره. والأن الفرصه مؤاتيه ,اكثر من ذي قبل, لتعزيز مصالحنا الأقتصاديه والأستراتيجيه مع الجاره تركيا. وكما أسلفنا, ان تركيا ستعمل المستحيل لأنجاح مشروع طريق التنميه العراقي وتقديم كل ما من شأنه تعزيز روابطها الأقتصاديه مع العراق. ومنذ الأعلان عن مشروع العراق والمشروع الأمريكي أعربت تركيا عن رغبتها الجاده للمساهمه الفاعله والأستثمار في ميناء الفاو وطريق التنميه. واعلنت نيتها تصفير المشاكل العالقه مع العراق ولا أستبعد ان تقوم تركيا بتلبية كافة المطالب العراقيه المشروعه ليس حبا بالعراق بل للمكاسب الأقتصاديه التي سوف تجنيها من استثمارها في مشروع طريق التنميه. وعلى المفاوض العراقي ان يدرك ان تركيا دوله براغماتيه تحركها مصالحها الأقتصاديه, وهذا الأمر مشروع ومتعارف عليه في عالم السياسه. ولكن ليس من الحكمه أعطاء الأنطباع بأن موانئ تركيا هي المنفذ الوحيد لأنجاح مشروع طريق التنميه, فهناك بدائل اخرى متاحه ولو نظريا. وصحيح ان طريق التنميه يمر عبر الأراضي التركيه كما مخطط له مسبقا ولكن يحب ان لايكون هذا هو الخيار الوحيد المتاح امام العراق بل أن ميناء العقبه الأردني والموانئ السوريه واللبنانيه يظلا بعضا من الخيارات المتاحه كبدائل حين تستمر تركيا في تعنتها وأنتهاك سيادة العراق ومصالحه الحيويه في مجالي المياه والنفط.وهناك امور اخرى عالقه على المفاوض العراقي أخذها في الحسبان واعطائها الأولويه في التفاوض.
المحور الثاني: كما يعرف الجميع هناك اشكالات عديده مع الجانب التركي بخصوص تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان االتركي. ومن اجل تعزيز موقف العراق التفاوضي, على المفاوض العراقي التصريح أو التلميح لفكرة أحياء الأنبوب الناقل للنفط العراقي عبر الأراضي السعوديه الى البحر الأحمر وكذلك أحياء فكرة تصدير نفط الشمال عبرانبوب العقبه الأردني او عبر انبوب بانياس السوري لنقل النفط العراقي الى موانئ البحر الأبيض المتوسط. فهكذا أشارات أو تلميحات لها مردود فعال في مسار المفاوضات وتضعف ولو شكليا الحاجه الى الأنبوب التركي وتفقد تركيا واحد من أنجع الأسلحه التي كانت تشهرها بوجه المحاور العراقي.
المحور الثالث : يعلم الجميع ان لتركيا مصالح تجاريه كبيره في العراق ولن تفرط بها سيما في وقت تذبذب سعر صرف الليره التركيه. وستقدم مايطلب منها بكل اريحيه أن شعرت بأحتمالية فقدان السوق العراقي ولو جزئيا. لذا على الدوله العراقيه اتخاذ خطوات ضاغطه لأيصال رساله واضحه الى الجانب التركي مفادها أن استمرار الأفضليه والتسهيلات لدخول البضائع التركيه ومنح تركيا مساحه واسعه للأستثمار في مشروع طريق التنميه مرتبطا جدليا بأحترام تركيا للقانون الدولي بخصوص سيادة الدول على اراضيها وبخصوص تقاسم المياه بين دول المنبع ودول المصب.
المحور الرابع: منذ ثمانينات القرن الماض سمح العراق لتركيا محاربة حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقيه لكيلومترات محدوده لكن تركيا تجاوزت بكثير ما اتفق عليه. فمنذ سنوات وهي تصول وتجول داخل العراق دون أدنى أعتبار لسيادة العراق وأمنه. والأنكى من ذلك شيدت قواعد عسكريه ووضعت نقاط رصد وتفتيش داخل الأراضي العراقيه . وهذا مخالف للقانون الدولي لذا على تركيا ان ارادت تصفير المشاكل مع العراق أعادة حساباتها وتغيير موقفها الأستعلائي من العراق وأظهار الأحترام الفعلي لسيادة العراق على اراضيه.
واخيرا لا شك ان الحكومه العراقيه تع بأن دول الجوار وحتى الصين ودول شرق اسيا متحمسه لمشروع طريق التنميه أدراكا منها للجدوى الأقتصاديه لمشروع طريق التنميه مقارنة بمشروع بايدن, وتركيا ليس استثناءا بل دوله تبحث عن مصالحها كبقية الدول وهي على استعداد تام كغيرها للمساهمه وبشكل جاد لأنجاح مشروع ميناء الفاو والأستثمار الواسع في مشروع طريق التنميه. لذا من الأجدر ان تستثمر الدوله العراقيه الظرف القائم لمناقشة كافة المشاكل العالقه مع الجاره تركيا وأيجاد الحلول المنصفه والمستدامه لينعم البلدين معا بخيرات هذه المشاريع الواعده. والله الموفق.