هزم العرب في غزة وانتصرت في طوفانها على الأعداء
كتب / د. محمد المعموري
هل يوجد شك في قلب مؤمن بالقضية الفلسطينية أن غزة انتصرت وان زمن قارب على الثمانية أشهر كفيل بأن يكون الحد الفاصل بين انتصار على الأرض وخسارة “صعقت” قوم بالله كافرين، وأظهرت بين طياتها جموع المتخاذلين وانكشفت سريرة المنبطحين حتى أننا كنا نأمل ببعضهم خير إلا أنهم كانوا متخفين وراء وجه الوطنية ويتباكون على أمة تجمع بين جناحيها فلسطين العربية ونظنهم أن استشهاد طفل أو تهجير عائلة فلسطينية يؤرقهم فيثار قائد من هنا وآخر من هناك ملبي نداء امرأة غزاوية ولكن بفضل الله انزاح ذاك القناع الأثيم “ليميز الله الخبيث من الطيب ” وانكشف الوجه اللئيم وتحولت سريرتهم إلى علن فأصبح نفاق بعض حكام العرب علني حتى أن أحدهم “يخدر” أبناء شعبه ويدعي أنه لم يضيعهم وكأنه يقول إن حربا عادلة بين الكيان المحتل وبين أبناء غزة هي ضياع لغزة وشعبها، وهو لا يعلم أن غزة انتصرت بتكليف إلهي وأنها وحدها مع أبطالها من أبنائها هم وحدهم الفائزون، فإنهم الأبطال الأشاوس الجبال الشامخات، وكل من ارتقى شهيد يتمنى أن نراه لنترك تفاهة الدنيا إلى نعيم الله- سبحانه وتعالى- فخورين بما قدموه من تضحية ونصرة لدينهم ودفاعا عن شرفهم ومعتقدهم تاركين لنا الدنيا نتناحر بيننا بين طامع بخذلان أو متغطي بأمريكا أو أن وعد من كيانها المحتل سيطيل جلوسه على كرسيه المتهالك يجعله بين متواطئ أو حتى أداة لهذا الكيان وذاك العدو الغاشم.
أما وأننا بهذا الضعف علينا فقط أن نتذكر أن لا نصر إلا بعد ابتلاء ولا رفعة إلا بعد تضحيات ولنا في رسول الله أسوة حسنة فإن محمد- صلى الله عليه وسلم- وقع تحت الابتلاء سنين وحاربته جموع قريش وانكسرت نفسه وهو يعامل تلك المعاملة من أهل الطائف بعد أن ذهب إليهم ليدعوهم لدين الله فوجد بدل النصر الاعتداء عليه، وقالوا قومه عنه شاعر مجنون وكان سيدنا محمد يرتقي بهذا البلاء لكي تتهيأ له سبل الانتصار فترتفع هامته بين بلاء وصبر وبين ثقة بالله العلي العظيم، وكذلك موسى الذي أصبح قومه يتساءلون متى “النصر ” الذي وعدتنا به وقد أوذينا من قبل أن تأتينا وبعد ما جئتنا بنصر لم نبصر ضياءه
(قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ۚ قال عسىٰ ربكم إن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) [ الأعراف: 129]
فجاء أمر الله (أسري بعبادي ليلا)، وهكذا إبراهيم وجميع صفوة البشر من الأنبياء والرسل فكان البلاء هو من يخلق القائد الذي يقود الناس إلى نصر الله وهذه سنة الله في خلقه وكلما كبر البلاء تسارعت الخطى نحو النصر المبين، كما نلمسه اليوم فأننا- لأول مرة- نرى أن الفلسطينيين يقودون حربا ضروسا طويلة بمفردهم وبمعزل عن منة “عرب الجنسية” منذ أن وطأة أقدام المحتلين أرض الأنبياء ، فهي نقطة التحول بين نصر مبين وانتصار زائف يعقبه تطبيع مهين.
إنا ابتلينا اليوم ببعض حكامنا الذين وضعوا مصلحة الكيان المحتل فوق مصلحة أمتهم وأعلى من قيم دينهم لذا؛ فأننا بأشد أنواع البلاء وأنه لضياع للسبل بمساراتها ومتقرباتها، ونتجه هذا المتواطئ أصبحنا نرى شعبنا في غزة يذبح ويهجر وتهدم فوق رؤوسهم البيوت، جياع عراة ليس لهم إلا الله ناصر وهو نعم المولى ونعم النصير وتناسينا ونحن نشاهدهم بدماء باردة وبلا حياء سؤال الواحد الديان في يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنون ، وامسينا بعد صباح الطوفان لتتكسر عند باب غزة عروبتنا وتتلاشى عند طوفانها غيرتنا فقلنا لأهل غزة كما قال قوم موسى لنبيهم :
(قالوا يا موسىٰ إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها ۖ فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون “سورة المائدة 24”) .
ولذا؛ فإنني أستبشر خيرا. في نصر تلوح بشائره في أفق غزة وبين ركام بيوتها ودعاء أمهاتها وشفاعة شهداء فلسطين فصبرا يا أهل غزة أن الغد موعدكم أليس الغد بقريب، وسيعلم العرب المتخاذلين أن غزة ورفح والضفة ستحرر قريبا بل هو نصر من النهر إلى البحر -بإذن الله- “وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ” .
-بكل أسف- فرزت معركة طوفان الأقصى مدى التواطؤ العربي مع الكيان المحتل حتى إن قتل جندي عربي من قبل هذا الكيان لأكبر جيش عربي والاعتداء على حدودها تبرره تلك الأنظمة بما يتناسب مع مقاس وحجم هذا الكيان وان الاعتداء على الحدود وانتهاك خط صلاح الدين يسوق بأنه لا يمس كرامتهم بشيء وان كل ما تفعله تلك الانظمة هو مبادرات تجعل من الانتصار الفلسطيني “لا سامح الله” يتلاشى وتجبر غزة على القبول بالمفاوضات نتيجة ألم أهلها وجوعهم وتلقيهم أشد أنواع المتفجرات فأصبحت غزة ركام ولازالت تلك الدول العربية “الكبيرة” تفاوض المعتدي الإثم وهو يرشقهم بوابل من نيرانه وتطأ أقدام جنده أرض الكرامة والعزة ولا تحريك لسكونهم بل لا يشهد لسكونهم حراك.
لقد توقعت في مقالات كثيرة من على هذا المنبر المبارك أننا سنمسي ونصبح لكي نجد جنود الاحتلال يقفون على أبوابنا ويخرجونا من أوطاننا ونساق إلى محرقة (هولوكوست للعرب) وسيعلم من يبرر للعدو أفعاله أن الكيان الصهيوني هدفه ليس القدس ولا حدوده فلسطين وان بين النيل والفرات هو مرادهم وربما نجدهم في مدينة سيد المرسلين، ونبقى نحن نضبط النفس حتى ينقطع بنا إلى (دون رجعة) وبلا رجاء.
والله المستعان