لماذا لن يبقى للعدو دبابات… إذا ما حاول غزو لبنان؟
كتب / محمد الحسيني
خلال حرب تموز 2006 وقبل نفاذ وقف إطلاق النار بثلاثة أيام أي يوم 11 أغسطس، أقدم جيش الاحتلال على تطوير هجومه الذي شنه منذ بداية الحرب مطلقاً على العملية تسمية “تغيير الاتجاه 11”. والتي كانت تهدف إلى تطويق “حزب الله” جنوب الليطاني، حيث عزّز قواته المهاجمة بثلاثة أضعاف ما كانت عليه، على أن تتقدم على محورين، غرباً على طول نهر الليطاني من إصبع الجليل تواكبها عمليات “مجوقلة” خلف الخطوط، وشمالاً في القطاع الأوسط على طول ساحل البحر المتوسط. كانت توقعات العدو أن تكون خطته ناجحة والأكبر في تاريخ جيشه … لكن ما حصل كان صدمة كارثية بالنسبة له، إذ تم إيقاف الهجوم في منتصفه، بسبب الإصابات الجسيمة في الأرواح والآليات، بعد أن قُتل بحسب اعترافاته ما لا يقل عن 33 صهيونياً، وأصيب أكثر من 400 آخرين بجراح مختلفة، وأُسقطت له إحدى المروحيات، والأهم أن المقاومة دمرت له عشرات دبابات “الميركافا” فيما بات يُعرف ب”مجزرة الميركافا”، بعد أن تعرضت أرتاله لهجوم بالصواريخ الروسية من نوع “كورنيت إم”، التي كانت مفاجأة “حزب الله”في معركته البرية، ما عكس فشلاً استخباراتياً صهيونياً كبيراً. وفي المحصلة لم يستطع جيش الاحتلال الوصول إلى نهر الليطاني، وبالتالي فشل في إحاطة “حزب الله”.
كان هذا هو الظهور الأول لصاروخ “كورنيت” على الساحة اللبنانية الجنوبية في الصراع ضد الاحتلال، وبعدها بعدة أشهر، زعم الكيان المحتل أن الأسلحة الروسية هُرِّبت إلى “حزب الله” من قبل الجمهورية العربية السورية، فأرسلت حكومة الاحتلال فريقًا لها إلى “موسكو” ليقدموا دليلهم في ما يزعمون حول نقل أسلحة روسية الصنع من سورية إلى لبنان لا سيما صواريخ “الكورنيت”. شكك المسؤولون الروس آنذاك بالأدلة الصهيونية، ففشل الوفد في تحقيق هدفه من الزيارة. وبين تاريخيّ سريان وقف إطلاق النار في 14 اغسطس 2006 و7 اكتوبر 2023 كان لصاروخ “كورنيت” أو لمثيله عدة جولات في محطات متفرقة، دُمرت خلالها آليات للعدو إن على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، أو في غلاف غزة، حتى بدأت عملية “طوفان الأقصى”، فبالإضافة إلى استعمال المقاومة الفلسطينية لصواريخ “كورنيت” الروسية، ظهر بحوزتها صواريخ إتش جيه- 8 الصينية (السهم الأحمر)، كما أدت قذائف ياسين المحلية الصنع دوراً بارزاً ضد دبابات العدو ومركباته، فألحقت به خسائر فادحة، إذ اعترف جيش الاحتلال ولأول مرة بأنه يعاني من نقص في الدبابات بعد أن فقد الكثير منها في قتاله الطويل ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، فضلاً عن القذائف، والعديد من الجنود الذين أصيبوا أو قتلوا في المعارك.
وعلى الرغم من عدم اعلان العدو عن خسائره على الجبهة الشمالية بدءاً من تاريخ اندلاع المواجهات الحدودية مع لبنان في 8 اكتوبر 2023، كان لدباباته ومركباته القتاليّة ومنشآته العسكرية نصيبهم المباشر من التدمير بواسطة سلاح المقاومة المضاد للدروع، والذي أطلقته وتُطلقه باستمرار دعماً وإسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة، هذا السلاح الذي أصبح يضم في صفوفه تشكيلات متنوعة من حيث المصدر والخصائص والمميزات، بات معروفاً بشكل عام من خلال الميدان، ويشمل: “أر بي جي-29” ويطلق عليه (فامبير). “ماليكوتا” ويطلق عليه “ساغر”. “فاغوت” ويطلق عليه سبيغوت. “كونكورس” ويطلق عليه “سباندريل”. “كورنيت” (الجيل الثالث). نسخة من صواريخ “كورنيت” التي طورتها كوريا الشمالية وتُعرف باسماء 5-4 . Bulsae 3- صواريخ ألماس 3 و4 الإيرانية الموجهة بصرياً وَبتقنية أطلق وأنسى وَإستهداف سقفي، تم بناء النسخة الأولية من صاروخ ألماس بمكونات وتقنيات مشابهة لنظاميّ Javelin و Spike اللذين أغتنمهما “حزب الله” من الجيش الصهيوني أثناء حرب تموز 2006. صواريخ “إتش جيه – 12” الصينية (السهم الاحمر – 12)، التي لا تحتاج إلى توجيه بعد اطلاقها، وهي محمولة على الكتف بواسطة فرد واحد.
من هنا فإنّ هذه المنظومة التي يمتلكها “حزب الله” وعلى الرغم من أنها باتت شبه مكشوفة للعدو، هي ليست كل شيء، ومنظومة الصواريخ هذه التي من المفترض أنه قد وضع خطته الدفاعية على أساسها، هي أيضاً ليست كل شيء، ومنظومة الصواريخ هذه التي ظهرت، في “الشريط المصور للإعلام الحربي”، أيضاً وأيضا ليست كل شيء، المؤكد شيء واحد فقط، هو العنوان الترويجي للشريط المصور: “لن تبقى لكم دبابات”، هذا العنوان الذي أطلقه سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله، وإن كان يحمل، في ظاهره ثلاث رسائل: الردع التحذيري وإظهار القوة والتحدي المباشر. فإنه يحمل في طياته ما هو أدق وأعمق، من خلال السؤال الأهم، ” لماذا لن تبقى لهم دبابات”؟ قد تبدو الإجابة للوهلة الأولى واضحة، لكن الإضاءة على أسبابها له أبعاده الاستراتيجية:
نمط عمل المقاومة القائم على عنصريّ المفاجأة والسرية، والتقيد بمبدأ “الاعلان خلاف المستور” يُحتمان عدم الإفصاح عما لديها إلا ما تظهره للعلن، وبالتالي فإن الحفاظ على هذين العنصرين، هما من الثوابت الاستراتيجية لدى المقاومة، وقد يكونان إما سلاحاً جديداً أو تكتيكاً تعتمده في الميدان أو كلاهما معاً، لهذا أن تكون هناك مفاجآت بانتظار دبابات العدو هو أمر بديهي لا بل حتمي، وإلاّ تكون المقاومة قد خالفت إحدى أهم استراتجيتها.
لا ولن تُفصح المقاومة عمّا تمتلكه من وسائل قتالية إلاّ ما تظهره على محطاتها الإعلامية أو من خلال تقارير إعلامية عربية ودولية، بناءً لتقارير استخباراتية صهيونية أو أجنبية مبنية في أغلبها على بعض المعلومات والتحليلات العسكرية والاستراتيجية، وصور تُلتقط من الميدان إذا ما قُدر لهم ذلك.
كلما تنوعت مصادر الصواريخ المضادة للدبابات ازداد العدو قلقاً، لما يمنح المقاومة من قدرة كبيرة ومساحة واسعة للمضي قدماً في دراسة الخصائص العامة لكل صاروخ، وبالتالي العمل على الدمج والتطوير للوصول إلى نتائج اكثر فعالية، ليصار إلى تجربة ما تبتكره أدمغة المقاومين من مهندسين وفنيين، من خلال الفرصة التي تمنحها هذه الحرب لهم كحقل تجارب، والعمل الدؤوب بغية تصحيح الأخطاء للحصول على فعالية أكبر وتصميم أفضل.
وأخيراً وليس آخراً، فإن العدو يعلم تماماً بالرغم من غطرسته، أنّ فخر صناعته العسكرية “الميركافا” قد فشلت خلال حروبه الأخيرة، وأنّه بات يعاني من نقص حاد في الدبابات، لذا يطرح السؤال نفسه، هل يجرؤ من جديد على زج دباباته في لبنان بعد أن تطورت صواريخ المقاومة المضادة للآليات تطوراً كبيراً؟ وهو في ريبة أن ما تُخفيه المقاومة أشد فتكاً…أمّا ما هو نوع السلاح الذي أعدته المقاومة لدباباته، والذي سيكون مفاجأة المعركة البرية وسيشكل صدمة تاريخية لجيش العدو في حربه الموعودة؟ فإنّ الإجابة عنه تكمن في أمرين اثنين، الأول في ما تبتكره أدمغة المقاومين المجهولين العاملين في السر والخفاء على عمليات تطوير هذه الصواريخ، والثاني في صندوق شاحنة الأسلحة العائدة للمقاومة، التي انقلبت في بلدة “الكحالة” شرق مدينة بيروت يوم 9 اغسطس 2023، وما كانت تنقله إلى الجنوب اللبناني حتى لا يبقى للعدو دبابات…