إلى أين يتجه اقتصاد البلاد بضوء ما تعلن من نسب وأرقام ؟!
كتب / د . باسل عباس خضير ...
المواطن متلق وغالبا يصغي لما يصدر من تصريحات ، وعند تلقيه لأشياء متناقضة من حقه أن يسال مرة ومرات وربما يتفاءل او يقلق عندما يجد فيها ضعفا في الترابط بين ما فيها من محتويات ، ولا يشترط أن يكون المواطن ضليعا في الاقتصاد لكي يكتشف إن اقتصاد البلاد لا يسير تماما بالاتجاه الذي يتمناه الجميع ، فمنذ سنين ونحن نسمع بان البلد يعاني من سيولة نقدية لا من خلل في الدخل القومي او ما يدخله من أموال من النفط وغيره وإنما لعزوف الكثير في التعامل مع المصارف الموجودة في بغداد والمحافظات ، فحسب تلك التصريحات فان 80% على الأقل من الكتلة النقدية المحلية هي خارج القطاع المصرفي وتكنز هنا وهناك ، وهي مسالة ضارة جدا لان البعض يحولها للذهب او الدولار او العقارات او يهربها خارج البلاد ، ويقف وراء ذلك سبب واضح ومعروف ، وهو إن مصارفنا لم تتطور بالمستوى الذي يناسب التغير في المدخولات ولا بما يناسب التوسع العمودي والأفقي في الأسواق ، والمواطن يخشى التعامل مع المصارف الأهلية حرصا منه في الحفاظ على ملكية ما عنده من أموال فبعض المصارف تلكأت وأخرى نكلت بحقوق السحب وهدرت مئات المليارات في هذا المصرف او ذاك ، والمصارف الحكومية تراوح مكانها منذ عقود ولم تتحرك بخطوات رغم إنها تحتاج لان تتقدم لأميال ، والبعض ممن يتعاملون مع تلك المصارف يجدون البيروقراطية ومحدودية عمليات الائتمان وانعدام الخدمات في تلك المصارف ، فاغلب فروعها صممت على أساس الحاجة قبل أكثر من ربع قرن ، وأمام قلة التعامل المصرفي لجذب الأموال كان من الأجدر استخدام حوافز لتشجيع تحويل الأموال إلى إيداعات واستثمارات بمختلف التسميات والأنواع ، ولكنا نجد عكس ذلك فبدلا من رفع أسعار الفائدة فان المصارف الحكومية ( الرافدين ، الرشيد ) اتفقت على تخفيض سعر الفائدة على التوفير إلى 3,5 % سنويا ، وهذه النسبة تعني الخسارة للمواطن عند مقارنة نسبتها مع معدلات التضخم التي تعلنها التخطيط كل عام ، فالمعلن إن نسبة التضخم بلغت 4% لعام 2024 وهي أعلى من فائدة المصارف الحكومية ، والمواطن يسال لماذا نتحمل أعباء التعامل المصرفي والمردودات غير مجزية بمعظم المقاسات ؟ .
ومن الأرقام الأخرى التي تثير الاهتمام ما يتعلق بحجم ديون العراق وما يمتلكه من احتياطي الذهب العملات ، فقد صرح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء إن العراق قد خرج من قائمة الدول المدينة وانه بحالة تجعله قادرا على الإقراض للغير ، وتلك التصريحات تعطي الاطمئنان بأننا بخير بعد التخلص من اكبر المشكلات التي أورثها النظام السابق والتي أوصلت البلاد لأرقام مخيفة بشان الديون ، ويؤكد ذلك الاطمئنان تصريحات البنك المركزي العراقي التي يعلن فيها في مرات ومرات عن زيادة احتياطي البلاد من الذهب والعملات والتي جعلت الوضع المالي بحالة أمان ، وفي الوقت الذي لا يشكك فيه الجميع بتنامي القدرات المالية للبلاد بفضل زيادة إيرادات تصدير النفط وارتفاع سعر البرميل والتنوع نوعا في مصادر الدخل ، فان هناك من يسال ما هو انعكاس ذلك النمو والتقدم على حياة المواطن والتنمية في قطاعات الاقتصاد من الزراعة والسياحة والصناعة وغيرها ؟ ، فمثل هذه الأموال التي تضع العراق في مستوى ائتماني مقبول من قبل صندوق النقد والبنك المركزي وبعض الدول التي تقدم تسهيلات الإقراض ، يجب أن يوجه للاستثمار بما يمكن البلد لمواجهة تقلبات أسواق النفط وبما يجعلنا نقلل الاستيراد ، فأرقام مبيعات الدولار بحالة ارتفاع لتكون بحدود 200 مليون دولار يوميا مع شحة الدولار في السوق السوداء ، ووصول أسعار صرف الدولار لأكثر من 1500 دينار يشير إلى الحاجة المتزايدة للدولار لمختلف الأغراض ومنها الحاجة المتزايدة للاستيراد لملأ الأسواق بالبضائع من مختلف البقاع ، واقتصاديات البلدان لا تقاس بأرقامها بل على أساس قدراتها في نمو الإنتاج المحلي الإجمالي وفي تلبية احتياجات السكان من السلع والخدمات والتي يفترض بها التنوع وعدم إبقائها أحادية الإيرادات ، إذن فالأرقام والنسب مهمة وفيها العديد من الدلالات في المضمون وحتى الجمال ، ولكن من المهم أن توجه بشكل يلغي ما يتداول البعض في عدم القدرة على تغطية الرواتب التي تتكرر بين حين وحين ، كما تتطلب توجيه الموارد والثروات نحو الإنتاج المحلي بما يبعد عنا أخطار وشرور الاستيراد ، وقبل كل ذلك إشعار الفرد انه في بحبوحة السعادة والازدهار فهي وان كانت أرقام إلا إن البعض منها يمكن أن تزرع البهجة والأمل واليقين في النفوس .