قادة الخليج يتسابقون لاستقبال ترامب ويُهمّشون بغداد؟
كتب/ صباح البغدادي
في الأسبوع المقبل، ستشهد منطقة الشرق الأوسط حدثين سياسيين بارزين: القمة العربية في بغداد، وزيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى السعودية، قطر، والإمارات. لكن، وكما هو متوقع، ستُلقي زيارة ترامب بظلالها الثقيلة على القمة العربية، والتي بدورها في حقيقة الامر لن تكون سوى عرض إعلامي باهت، خالٍ من أي إنجاز ملموس. وسائل الإعلام العربية والدولية، من صحف وفضائيات وبرامج حوارية، ستتحول إلى خلية نحل تتابع وترصد عن كثب جميع تحركات وهمسات الرئيس الأمريكي حتى خلف الابواب المغلقة وتجند خبراء قراء الشفاه ولغة الجسد لترصد “ترامب “، بينما تُترك القمة العربية ببغداد لتغرق في طي النسيان والإهمال؟. ولأنها سوف لن تخرج عن النمط المألوف لسلسلة القمم العربية التي أثبتت فشلها وعجزها المزمن على مدى عقود. بيانها الختامي المنتظر لن يكون سوى وثيقة مكررة من الكلمات الرنانة والشعارات الفارغة ، خالية من أي خطوات عملية ملزمة لدعم القضية الفلسطينية، أو إنهاء الحرب المدمرة في قطاع غزة، أو حتى إلزام إسرائيل بالامتثال للقوانين والتشريعات والشرعية الدولية. هذه القمم ليست إلا مسرحيات هزلية، تُقدم للجمهور العربي كبديل عن العمل الجاد، وتُختتم دائما بتصفيق باهت ووعود واهية لن تُنفذ أبداً.
وفي المقابل، يتسابق بحفاوة بالغة قادة دول الخليج العربي وحتى يمكن إشراك الرئيس المصري والسوري معآ لاستقبال “ترامب” في مشهد مسرحي ينتظر أن يشاهد إحداثه الجميع . من الرياض إلى الدوحة وأبوظبي وينتهي بالقاهرة ودمشق , ولما لا فكل شيئ جائز في دهاليز السياسة والدبلوماسية ، ويبدو أن أولويات هؤلاء القادة تتلخص في طريقة وسبل كسب ود ورضى الإدارة الأمريكية، بينما يرمون بقضايا الأمة العربية في سلة المهملات . زيارة ترامب، المقررة من الثلاثاء 13 إلى الخميس 16 أيار من الشهر الحالي، ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر ، بل استعراض سياسي وتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارات وشراء معدات عسكرية وأسلحة وبمبالغ خيالية تقترب من الترليون دولار , وهذا هو ثمن هذه الزيارة والتي قد يسجلها التاريخ أو حتى موسوعة غينيس للأرقام القياسية وبأنها أغلى زيارة كلفت تريليون دولار . بدلاً من التوجه هؤلاء القادة إلى بغداد لمناقشة تحديات الأمة والقضايا المصيرية العربية، يفضلون الانشغال بتزيين قصورهم لاستقبال “الضيف الأمريكي” في مشهد قد يُثير لدى الراي العام الغضب والسخرية معا . إن هذا التخاذل السياسي ليس مجرد تقصير، بل تندرج ضمن عدم اللامبالاة لتطلعات الشعوب العربية التي تنتظر قيادات تحترم ذاتها وتدافع عن مصالح أوطانهم والأمة العربية ,وإن تفضيل قادة الخليج لاستقبال الرئيس “ترامب” على المشاركة الفاعلة في قمة عربية يكشف بوضوح عن اختلال الموازين والأولويات، حيث تُقدم المصالح الشخصية والصفقات السياسية على قضايا الأمة العربية. إن هذا السلوك لا يُظهر فقط ضعفاً في الإرادة السياسية، بل يعكس انفصالاً تاماً عن نبض الشارع العربي الذي يتوق إلى قيادة تتحلى بالجرأة والشجاعة والاستقلالية.
بينما تتحول العواصم الخليجية إلى مسرح استقبالات فاخرة مآدب باذخة لترامب، ستظل بغداد، رمز التاريخ العربي، تنتظر حضوراً حقيقياً يليق بطموحات الأمة. لكن، للأسف، يبدو أن قادة الخليج قد اختاروا أن يكونوا مجرد واجهات لامعة في خدمة الأجندات الأمريكية بالمنطقة وما يحاك لها في الخفاء ، تاركين القمة العربية لتغرق في وحل اللامبالاة والتهميش. إن هذا المشهد ليس مجرد إهانة للشعوب العربية، بل دليل دامغ على أن القيادات الخليجية قد تخلت عن أي دور حقيقي في صناعة مستقبل الأمة، مفضلة “البيت الأبيض” على الوقوف إلى جانب شعوبها.