شُكرًا لمحكمة العدل الدوليّة ... ولكنّ الفضْلَ الأكبر لعمليّة طُوفان الأقصى “الوَلّادة”
كتب/ عبد الباري عطوان ..
يُبَرّر بنيامين نتنياهو استِمراره في حرب الإبادة التي يشنّها مُنذ ثمانية أشهر على قطاع غزة بالقول إنّه لن يتوقّف حتّى تحقيق الانتِصار الكامِل المُتمثّل في القضاءِ على المُقاومة في القطاع، وإنهاء حُكم حركة “حماس” حتّى لا يتكرّر هُجوم كتائب القسّام الإعجازي “طُوفان الأقصى” مرّةً أُخرى، ولكنّه فشل حتّى الآن في تحقيقِ هذا الهدف، وقتل أكثر من 60 من الرّهائن الذي تعهّد بإعادتهم، وأصبح مُطارَدًا مطلوبًا من المحاكم الدوليّة لمُحاكمته كمُجرم حرب وبات كيانه منبوذًا في العالم مِثل البعير الأجرب.
نتنياهو لم ولن يقضي على المُقاومة بقيادة حركة “حماس”، ولن يمنع تِكرار هجمات جديدة قادمة، أكثر قوّةً وفداحة من هُجوم السّابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2023، سواءً في الحُدود الجنوبيّة أو الشماليّة، لأنّ حرب الإبادة التي بدَأها حوّلت أكثر من مِليونين من أبناء القطاع إلى مُقاتلين شَرِسين في صُفوف المُقاومة طلبًا للثّأر لشُهدائهم، والفِلسطيني لا يُمكن أنْ ينام دون أنْ يثأر لشُهدائه من أعدائه.
***
“العدالة الدوليّة” ذائعة الصّيت هذه الأيّام، لم تُنصفنا كفِلسطينيين بل كُنّا، وما زِلنا، أبرز ضحاياها عندما أقامت دولة عنصريّة مارقة (إسرائيل) على أرضنا، وحوّلتنا إلى لاجئين نعتاش على فُتاتِ مُساعداتها، ولهذا لن نكترث كثيرًا، أو نُعلّق الآمال، على قرارات محكمة العدل الدوليّة، وشقيقتها محكمة الجنايات، وهي قرارات لا ترتقي حتّى إلى درجة التّكفير عن الذّنوب، والاعتراف بالأخطاء الظّالمة الفادحة، بعد أنْ ثَبُتَ لملايين الفِلسطينيين أنّ اللّجوء إلى السّلاح هو الطّريق الوحيد، والأقصر، للوصول إلى العدالة، وليست طريق التّسوّل للمُجتمع الدوليّ وتعاطفه.
المُجرم ليس نتنياهو وحُكومته فقط، وإنّما المُجتمع الدولي، ومُنظّماته المُهيْمَن عليها أمريكيًّا، وأنجلوسكسونيًّا، الذي صمت على مجازر هذا الاحتلال الفاشي وقدّم المُبرّرات لها على مدى 75 عامًا من القمْع والظّلم والإهانة والإذلال والاستِيطان والخِداع.
نعم هُناك “صحوات” استثنائيّة تشعّ نورا وإنصافا في بقاعٍ كثيرةٍ من العالم تقف بشجاعةٍ في وجه الإجرام الصّهيوني، أبرزها قطع دُوَلٍ عديدة علاقاتها (باستثناء العربيّة) مع دولة الاحتِلال، ومُطاردتها قضائيًّا أمام المحاكم الدوليّة، لفضحِ حُروب إبادتها، وجرائم الحرب، وضدّ الإنسانيّة التي ترتكبها، وعلى رأسِها حُكومة جنوب إفريقيا، ولكن نَجِدُ لزامًا علينا التوقّف والتّنويه بالعديد من الشخصيّات العالميّة الشّجاعة التي عبّرت عن الألمِ الفِلسطينيّ بدقّة، وعلى رأس هؤلاء السيّدة يولاندا دياز نائبة رئيس الوزراء الإسباني التي قالت ما لم يقله أي زعيم عربي أو مُسلم، أو حتّى سُلطة العار في رام الله، بأنّ فِلسطين ستُحرّر من النّهر إلى البحر، ونُشير أيضًا في هذه العُجالة إلى السيّدة فرانشيسكا البانيز المُقرّرة الخاصّة للأُمم المتحدة التي طالبت المُجتمع الدولي بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال فورًا، وفرض عُقوبات عليها حتى تنصاع لقرارات المحاكم الدوليّة وتوقّف حرب الإبادة والتّجويع، والأمثلة كثيرة وتطول قائمتها يومًا بعد يوم.
“طُوفان الأقصى” هي الأُم التي ستُفرّخ العديد من الطّوفانات، ولن تتوقّف حتّى تحرير فِلسطين، كُل فِلسطين، من البحر إلى النهر، وتُزيل كُلّ العفن الذي لَحِقَ بالقضيّة الفِلسطينيّة من جرّاء السُّقوط في مصائد المكْر الإسرائيليّ المُتمثّل في اتّفاقات أوسلو، والوعود الأمريكيّة الكاذبة بحلّ الدّولتين، وقبل كُل هذا وذاك اتّفاقات كامب ديفيد.
نظريّة “الدومينو” التي تتساقط حجارتها الواحدة تِلو الأُخرى، بدأت ولن تتوقّف حتّى الحجر الأخير منها، أي زوال دولة الاحتلال العُنصريّة، وأوّل خطوة في هذا الصّدد هي ضرورة تحلّي قيادة المُقاومة في القطاع وخارجه بأعلى درجات الحذر في التّعاطي مع الخطوات الأمريكيّة البهلوانيّة المُتسارعة حاليًّا، التي تُريد إعادة إحياء المُفاوضات لوقف إطلاق النّار في القطاع لإنقاذ دولة الاحتلال من مآزقها الحاليّة المُتفاقمة، ميدانيًّا، وعالميًّا، ولا نعتقد أنّ قيادة المُقاومة في القطاع التي أدارت المشهد بدَهاءٍ غير مسبوق غير واعية بهذه الحقيقة، ولكنّنا نقولها ونُكرّرها لتَطمَئِنّ قُلوبنا أكثر.
***
نختم بتوجيه تحيّة من القلب إلى بحر غزة “المُقاوم” الشّرس الذي ثار اليوم، ووقف إلى جانب شعبه، وعبّر عن غضبه وتضامنه عندما قامت أمواجه الغاضبة الشّهمة بتدمير الميناء الأمريكي العائم المشبوه، وبعد أيُامٍ معدودة من اكتِماله، بتفكيكه وقذف معدّاته إلى الشّاطئ غير مأسوف عليها “وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” صدق الله العظيم.
النّصر باتَ أقرب من أيّ وقتٍ مضى، ويُجمع الفِلسطينيّون على أنّ الفضْل في ذلك يعود لكتائب القسّام وسرايا القدس والمُجاهدين، ودعم الحاضنة الشعبيّة المُؤمنة الشّجاعة، ومواقف الشّرفاء ودعمهم في مُختلف أنحاء العالم، والعُنوان الأبرز والأهم هو “طُوفان الأقصى” وشُهداؤه سواءً في القطاع أو في الضفّة الغربيّة الثّائرة.